قبل أكثر من عشرين عاماً، اعترض شمعون بيرس على تقديس اليهود المتدينين لقبر رحاب، وقال ساخراً في جلسة الكنسيت: من هذه رحاب التي تزورون قبرها على طريق أريحا؟ من هذه رحاب الزانية، التي خانت شعبها؟ وإلى متى ستقدسون قبر امرأة غريبة زانية خائنة؟
في تلك الجلسة، انفعل اعضاء الكنيست اليهود المتدينون، وغضبوا على بيرس، حتى أغمي على أحدهم، لكثرة ما صرخ وأرغى ضد شمعون بيرس، وأمثاله من اليهود العلمانيين.
قد يختلف اليهود العلمانيون والمتدينون على أهمية تقديس الأماكن التاريخية؛ ولكنهم يتفقون فيما بينهم على أهمية قداستها السياسية بالنسبة لهم، ولاسيما أن الدولة العبرية نفسها قد قامت على تقديس الخرافة بحق اليهود التاريخي في هذه الأرض، من هنا حرص اليهود على ربط كل مكان في فلسطين بأسماء لها علاقة بتاريخ اليهود، حتى ولو كان قبر الزانية الكنعانية رحاب، والتي خانت شعبها، وتجسست عليهم، وسمحت لليهود بأن يتسللوا من بيتها، ليطبقوا قبضتهم على مدينة أريحا، كما يقول كتاب اليهود الديني "التناخ".
من هذا المنطلق السياسي المحض كان الاهتمام اليهودي بقبر يوسف الذي يتواجد بالقرب من مخيم بلاطة، شرق مدينة نابلس، وقد تعمد اليهود الربط بين القبر والنبي يوسف بن يعقوب، الذي ينسبونه إليهم كذباً، ويدعون بأنه أوصى بنقل رفاته إلى أرض فلسطين، وهم يعرفون جيداً أن مخيم بلاطة في نابلس قد أقيم على أنقاض مدينة "شخيم" التاريخية، تلك المدينة التي كرهت اليهود، ليفروا منها هاربين بعد أن تآمروا على ملكها "شخيم" وعلى أبنائه بحيلة ختان الرجال كشرط للزواج من بناتهم، والقصة معروفة لمن أراد الزيادة.
وبغض النظر عن مصداقية الرواية اليهودية من كذبها، فطالما يدعي اليهود أن الرفات مقدس بالنسبة لهم، وقد نقلوه من مصر إلى سيناء، ومكث معهم في واحة "قادش برنيع" أربعين سنة، وانتقل معهم إلى شرق الأردن، ومنها إلى أرض فلسطين، فلماذا لا ينقلوا الرفات ثانية مع حجارة القبر؟ لماذا لا يجرفون مترين من التراب، ويأخذونه بعيداً عن مدينة نابلس؟
ولكن الصحيح الذي يعرفه أهل نابلس يقول: إن قبر يوسف ينسب إلى أحد أولياء الله، ويدعى يوسف دويكات، ولا صلة لليهود بقبر يوسف هذا الذي جعله اليهود مدرسة دينية في قلب مدينة نابلس، مدرسة يديرها الحاخام الإرهابي إسحق شابير، صاحب كتاب "توراة الملك" والذي أفتى بقتل غير اليهود، بما في ذلك الأطفال الفلسطينيين الرضع.
كان غضب شباب نابلس لكرامتهم ووطنيتهم ودينهم مشروعاً، فانقضوا على قبر يوسف هذا، وأشعلوا في الأكذوبة نار الحق، فهم يدركون أن القبر قلعة استيطانية يجب تدميرها، وحرقها، وأن موافقة القيادة الفلسطينية على وصول اليهود إلى المكان تحت الحراسة الفلسطينية، يعني الموافقة الضمنية على التوسع الاستيطاني، أو الخضوع الضمني للإدعاء اليهودي الذي أسهم في جلب ملايين اليهود لاغتصاب فلسطين، بحجة العودة إلى أرض الميعاد.
كان يجب على السلطة الفلسطينية أن تستثمر غضب أهل نابلس، وأن تقوم بتجريف المكان لا بإصلاحه على وجه السرعة، وكان يجب على القيادة الفلسطينية أن تشد على يد شباب نابلس الثائر لا أن تشكل لجنة تحقيق تعزز أكذوبة اليهود بحقهم في المكان.
لا يختلف تقديس اليهود لقبر يوسف عن تقديسهم لقبر رحاب الزانية على طريق أريحا، وأزعم أن تقديس حاخامات اليهود لقبر امرأة غير يهودية زانية فاجرة، كل مؤهلاتها هي التجسس على أهلها لصالح اليهود، أزعم أن هذا التقديس فيه رسائل سياسية لم تعاون مع اليهود على مر العصور، وفيه رسالة دهاء للعملاء في هذا الزمن، تقول: لن نتخلى عنكم، نحن اليهود نحفظ عهد الجواسيس الذين عملوا معنا، نحن اليهود لا نتخلى عن عملائنا في حياتهم وبعد موتهم.
د. فايز أبو شمالة