أينما نظرت في تظاهرة أو مسيرة أو مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي في أي مكان بفلسطين وخارجها، تجد معظم الثائرين والمُشاركين (كبار، صغار، نساء، رجال، فتيات، شباب..)، يتوشحون بالكوفية الفلسطينية، في دلالة واضحة على رمزية تلك الكوفية الوطنية.
ولم تعُد تُلبس تلك الكوفية المُطرزة بألوان العلم الفلسطيني (الأحمر، الأخضر، الأسود، الأبيض)، للزينة أو لمناسبة معينة فحسب، بل أصبحت تُلبس في كافة المناسبات الوطنية، خاصة في الانتفاضات والهبات الجماهيرية، حتي باتت رمزًا وطنيًا لا سيما للثائرين.
وتحظى الكوفية الفلسطينية في هذه الأيام، التي تشهد فيها الأراضي الفلسطينية هبات جماهيرية كبيرة، تُشابه إلى حدٍ كبير الانتفاضة، بقبول كبير لدى الشباب الفلسطيني الثائر، الذي يرتديها في كافة المواجهات مع الاحتلال، على خطوط التماس، لإخفاء وجه المقاومين والمُشاركين في الهبات الجماهيرية.
فتُظهر الصور جليةً ومقاطع الفيديو، التي تُنشر بكثرة في كافة وسائل الإعلام، ارتداء أعداد كبيرة من الشباب الثائر (أناث، ذكور) لتلك الكوفية، ما يُدلل على عظم ورمزية ذاك الموروث الوطني، الذي لم يعُد تراثًا تتعاقب الأجيال في الحفاظ عليه، بل رمزًا للثورة الفلسطينية، يُحتذى به، ومشهدًا رئيسيًا من مشاهد النضال الفلسطيني.
"الكوفية" أيضاً لها تسميات منها (بالغترة أو الشماغ أو الحطّة أو المشدة أو القضاضة)، هي لباس للرأس يتكون من قطعة قماشية تصنع بالعادة من القطن أو كتان، ومزخرفة بألوان عديدة أشهرها اللون الأحمر والأبيض والأسود والأبيض، مربعة الشكل ويتم ثنيها على الغالب بشكل مثلث وتوضع على الرأس وأحيانا على الكتف..
وأشتهر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بوضع الكوفية البيضاء المقلمة بالأسود على رأسه بشكل دائم، وكانت الكوفية مقرونة بالفدائي وسلاحه، وتوضع لإخفاء ملامح الفدائي؛ ونتيجة لذلك أصبحت تلك الكوفية رمزًا وطنيًا لنضال الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية؛ واتخذتها حركة فتح الكوفية شعارًا لها ووضعتها على شعار الحركة (درع العاصفة)، وأصبحت جزءًا من التراث الفلسطيني ..
واعتاد الفلاح أن يضع الكوفية لتجفيف عرقه أثناء حراثة الأرض ولوقايته من حر الصيف وبرد الشتاء؛ وارتبط اسم الكوفية بالكفاح الوطني منذ ثورة 1936 في فلسطين، حيث تلثم الفلاحون الثوار بالكوفية لإخفاء ملامحهم أثناء مقاومة القوات البريطانية في فلسطين، وذلك لتفادي اعتقالهم أو الوشاية بهم..
وكانت الكوفية رمزًا للرجولة والأناقة قديمًا؛ وخلال العصر العثماني تميز العامة بوضعها على أكتافهم وسكان الريف على رؤوسهم، بينما كان الأعيان يضعون الطربوش؛ أما الآن فأصبحت شهرة الكوفية عالمية لا عربية فقط، فقد ارتدى هذه الكوفية كثير من الفنانين العرب والعالميين. إضافة إلى ذلك، انتشرت الكوفية في البلدان الغربية..
مدلول كفاحي ونضالي
بدوره، اعتبر القيادي البارز في حركة التحرير الوطني (فتح) والكاتب والدبلوماسي السابق يحيى رباح في حديث لـمراسل "وكالة قدس نت للأنباء" ارتداء الكوفية الفلسطينية، من قبل الشباب الفلسطيني الثائر، لها من مدلول نضالي وكفاحي، ارتبط بالمقاوم الفلسطيني منذ ثورة عام 1936م.
وقال رباح : "للكوفية مدلول كفاحي ونضالي، وليس فلكلوري وتراثي فحسب، اليوم كل شخص يحمل الكوفية على رأسه، أو حول رقبته، أو على كتفيه، يُعلن انتمائه لجيل الكفاح الفلسطيني، وإلى زمان الكفاح والتضحية، الشباب يتزينون بها، في مظاهراتهم، وفي المواجهات مع وجيش الإرهاب الإسرائيلي، وقطعان المستوطنين، وفي مناسبات أخرى كثيرة"..
وأوضح أن الكوفية من بين الأزياء الفلسطينية، التي انتشرت بشكل خاص في ثورة عام 1936، وكان المُجاهدون يغطون بها وجوههم، كي لا يتم اكتشافهم من قبل المخابرات البريطانية التي كانت تُلاحقهم وتحكم عليهم بأحكام جائرة تصل لحد الإعدام، لمن يُمسك معه طلقة رصاص أو سكين أو أي سلاح أخر ..
وتابع رباح "أصبحت الكوفية منذ ذلك الوقت رمز الفدائيين والكفاح الفلسطيني، ثم اتُخذت رمزًا ولباسًا من قبل الشهيد عبد القادر الحسيني قائد جيش الجهاد المُقدس الفلسطيني، وجاء الرئيس الراحل ياسر عرفات لكي يُكرس هذا المشهد والميراث، عندما ارتدى الكوفية وكان يضعها على رأسه بحيث تبدوا على هيئة خارطة فلسطين".
ولفت إلى أن الكوفية كانت مُتعددة الألوان تارة "بيضاء ممزوجة بالأحمر، وتارة ممزوجة بالأزرق، والأخضر.."، لكن توحدت (أبيض ممزوجة بالأسود)، كون اللون الأخير يعتبر رمزًا للحداد على شهدائنا، وأرضنا المسلوبة، وهي تعني حدادًا مُستمرًا حتى يعود الوطن السليب والكيان والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.