عندما تدافع الآلاف في شوارع مدينة شيكاغو استنكاراً للجرائم التي ترتكبها حكومة الاحتلال ابان حربها الأخيرة على غزة، في تظاهرة وصفت بأنها الأكبر في تاريخ المدينة، لم يتوقف عندها الكثير، كون المدينة يقيم فيها نصف الجالية الفلسطينية الموجودة في الولايات المتحدة والتي تقدر بنصف مليون مواطن، وتعامل الجميع مع الحدث على إعتبار أنه ردة فعل محكومة بجغرافية المدينة لا تلبث أن تخبو، لكن المدينة عادت مرة أخرى لتشهد قبل ايام تظاهرة أخرى منددة بما تمارسه حكومة الاحتلال من جرائم بحق الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية، هذه المرة لم تتحرك مدينة شيكاغو منفردة بل حركت معها عدة مدن أمريكية، وهو ما دفع البعض للقول بأن مدينة شيكاغو تحولت إلى عاصمة العمل الفلسطيني في الولايات المتحدة.
ما يجب علينا التوقف أمامه بكثير من التمعن هو تلك الآلية التي تبنتها الجالية الفلسطينية حين تمكنت من تجاوز الانتماء الفصائلي الضيق إلى رحابة العمق الوطني، حيث تم تشكيل التحالف من أجل العدالة في فلسطين والذي يضم أنصار الفصائل المنضوية تحت منظمة التحرير الفلسطينية ومعها أنصار القوى الاسلامية والمنظمات الطلابية والحركات اليسارية والجمعيات الأمريكية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، هذا التحالف بألوانه المختلفة هو من يقف خلف النشاط الداعم للشعب الفلسطيني في الولايات المتحدة الأمريكية والذي بات يحمل ملامح العمل المنظم المتواصل البعيد عن ردات الفعل، المهم أن التحالف بدأ يتحرك على صعيد أمريكا الشمالية والجنوبية، والمؤكد أن دول أمريكا اللاتينية التي تقف التيارات اليسارية على سدة حكمها ستشكل أداة داعمة لهذا التحرك الممنهج.
أعتقد أن عمل التحالف من أجل العدالة في فلسطين، الذي اتخذ من شيكاغو مركزاً له، فرض بتجربته جملة من الحقائق لا بد لنا من التوقف أمامها والتمعن فيها وهي:
اولاً: أن التحالف استطاع أن يقفز عن كل مرتكزات الانقسام الفكرية والتناكفية، وأن يستند على قاعدة مشاركة واسعة ضمت بجانب اصحاب التوجهات الفكرية الفلسطينية المختلفة تيارات يسارية غربية وجمعيات تنشط في دعم الحقوق الفلسطينية، بل أن التحالف طالب منذ يومه الأول بضرورة إنهاء الإنقسام الفلسطيني البغيض إدراكاً منه بحجم الضرر الذي يسببه للقضية الفلسطينية.
ثانياً: إن تجربة التحالف تؤكد على قيمة الجاليات الفلسطينية في العمل في الساحات المختلفة، خاصة وأنها تنخرط في مكونات المجتمعات المحلية مما يجعل منها قوة تأثير تفوق بكثير قوة تأثير العمل الرسمي.
ثالثاً: إن مبدأ العدالة التي يتحرك من خلاله التحالف يفتح الأبواب على مصاريعها لمشاركة التيارات والمنظمات الفاعلة في المجتمعات المحلية سواء الأهلية أو السياسية، قد يكون لكلمة العدالة بحد ذاتها مفعول السحر في وجدان المسحوقين في عالمنا، يلتقي عند حدودها القادمون من صحراء العدالة القاحلة في بلدانهم مع أولئك الحالمين بعالم تسوده الحرية والعدالة، ولن يجد هؤلاء بوصلة لنشاطهم أفضل من فلسطين التي تنشد القليل من العدل.
رابعاً: إن نقل تجربة التحالف إلى الدول الأوروبية باتت ضرورة ملحة، حيث العمل في الساحة الأوروبية وإن تميز بنشاطاته المتنوعة إلا أنه يفتقر إلى الناظم الذي يسخر كل الامكانيات لتوسيع رقعته وزيادة قوة تأثيره، خاصة وأن الساحة الأوروبية تضم جاليات جزائرية ومغربية وتونسية تنشط في مجال دعم فلسطين.
بقلم/ د. أسامه الفرا