الشباب والغضب المتصاعد ضد الاحتلال

بقلم: مازن صافي

يقدم السياسيين والمحللين الكثير من البيانات و الإحصائيات للرأي العام أو لصنَّاع القرار، هذه البيانات تدور حول عدد السكان، وتوزيعهم وفق الفئات العمرية، وواقع كل فئة، ووفق هذه البيانات يمكننا أن نقدر حجم الأضرار والمنافع لكل فئة وفقا للظروف التي تعيشها ، فمثلا فئة الشباب من طلاب الجامعات والخريجين يمثلون النسبة الأكبر من فاقدي الأمل بالمستقبل،وندرة البدائل او انعدامها. إنهم الجمر في مجتمع يقع تحت نار الاحتلال، في الضفة وهناك عزل حقيقي للقدس، وكنتونات تفصل المدن فيضيق الخناق علي الناس و فرص العمل ضعيفة، وفي غزة جيلاً كاملا لم يرى في حياته غير حارته وشوارع مدينته وأكوام الركام التي تتراكم فوق بعضها نتيجة العدوان المتكرر والمتواصل والذي دمر ما لا يقل عن 30% من البنية العمرانية فيها، ونسبة بطالة لا تقل عن 60%، فانعدم الحال و أوشك الاقتصاد علي الانهيار ولا حلول ولا بدائل ولا أمال إلا بإنهاء الحصار، والانقسام.

إذن نحن أمام مئات آلاف من الشباب معظمهم متعلمون عاطلون عن العمل، وأكاديميون وحملة شهادات عليا يعملون ضمن "البطالة المقنعة" التي لا يمكن أن تمنح حياة مستقرة، فحامل شهادة الدكتوراة والذي يعمل "بالساعات" في الجامعات المحلية يغرق في أزمة ومشكلة تدني الأجور، ولدينا 200 ألف طالب في غزة والضفة، 40 ألف منهم لا الليل يستوعب أحلامهم ولا النهار قادر أن يضيء لهم المستقبل، وكثير منهم يملكون القدرة الفائقة للتعامل مع كل وسائل الإعلام المختلفة "الإعلام الجديد" ويجدون فيه متنفسا وبوابة للخروج الافتراضي من عالمهم المغلق والمحاصر، ويتمتعون بمنسوب مرتفع من الانتماء و الكرامة الوطنية والاندفاع نحو حماية الوطن، ولا شيء يخسرونه، ويتطلع كل منهم ليكون شيئاً مذكورا في المجتمع. كل ما سبق توضحه البيانات وربما نشرت في وسائل الإعلام عشرات المرات، وهو الذي أوصل القيادة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى خطابه الأخير في الأمم المتحدة، حيث دق كل أجراس الخطر، وقالها بكل وضوح أنه لم يعد هناك إمكانية للبقاء تحت الاحتلال سبب كل ويلات ونكبات شعبنا الفلسطيني.

مخطئ من كان يعتقد أن البيئة السياسية التي تحيط بالفلسطينيين ممكن أن تشكل لهم عوامل تراجع إو إفشال، فمع العامل الداخلي حيث الانقسام وتداعياته، ومع العامل العربي ودول سقطت في حروب داخلية وانقسامات، وشكلت خسارة للقضية، ومع بيئة إقليمية تتحرك رمالها بسرعة، وتؤثر حركتها بالسلب على قوة ومركزية القضية الفلسطينية باستثناء واقع القدس والأقصى من الناحية الدينية، التي لن تتأثر كثيرا بعوامل السياسية ومؤثرات البيئة المحيطة، وهناك البيئة الدولية، فأوروبا التي تمارس بعض دولها ضغطا من أجل القضية الفلسطينية، لا تملك حق الإلزام، وبعض الدول الأوروبية تناصب سياستها الرسمية العداء للحق الفلسطيني مثل كندا التي تشارك الإدارة الأمريكية في دعم الفيتو بوجه أي قرار إيجابي لصالح القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال، وروسيا التي تخرج بوجهها العسكري وتتمركز في سوريا وما يحيطها، ربما تغرق في الرمال مثل ما غرق الجيش الأمريكي في فيتنام سابقا وفي العراق لاحقا.

في ظل السيناريو والمؤثرات السابقة ذكرها، ولدت #غضبة_القدس، الهبة الجماهيرية، وتصاعدت وسائل وعوامل المقاومة الشعبية، ونلاحظ أن الفئة الأكثر تأثيرا ميدانيا فيها والفاعلة هي فئة الشباب من الطلاب و الأكاديميين، و الإحصائيات تقول أن غالبية آلالاف الجرحى والشهداء دون سن العشرين، ونعم لقد انطلقت هذه الغضبة من أجل الحيلولة دون تقسيم الأقصى وتغيير واقعه ومعالمه، وفي نفس الوقت فإن مد الغضب الشعبي التقى مع عوامل أخرى منحت الفرصة حتى اليوم لاستمرار الغضب القابل ليصبح مختلفا عن كل ما سبق من انتفاضات وهبات واحتجاجات جماهيرية، وقراءة أولية تقول أن جغرافيا التفاعل مع الغضب المتصاعد يعلن بكل وضوح رفض "الدولة اليهودية"، ورفض "تقسيم الأقصى"، و"رفض استمرار الانقسام"، و "رفض إهمال الشباب وعالمهم ومستقبلهم"، وتأكيدهم أن الكرامة الوطنية والالتحام الجماهيري عنونة للهوية والحقوق الفلسطينية في وسط كل البيئات السلبية والتي لا يمكن الارتهان لها أو تغييرها.

بقلم/ د.مازن صافي