ليس يأسا… وفحيح المضللّين

بقلم: فايز رشيد

الذين ينعقون بوصف نضالات الفلسطينيين وهبّتهم الشعبية الحالية بـ"اليأس" و"الإحباط"، الذين يدعون إلى السكينة والهدوء لأن "الكف لا تقاوم المخرز" هؤلاء المُحبِطون والمُحبَطـــون ليسوا من شعبنا ولا أمتنا، هؤلاء لا يعرفون ما هو النضال التحرري ولا أساليب حرب المقاومة الشعبية، لأنهم لم يدرسوها.

هؤلاء هم طابور خامس وسادس وسابع بين صفوف شعبهم وأمتهم. لو طبقت حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، "نصائحهم" لما انتصر شعب في معركته التحررية ونيل استقلاله، وطرد المستعمرين من أرضه. أين هو التوازن بين ما امتلكته "جبهة التحرير الفيتنامية" من أسلحة وسلاح المحتل الأمريكي؟ ومن الذي انتصر في النهاية ألـ16F- أم المسدس الفيتنامي والكلاشينكوف الروسي بيد المقاتل الفيتنامي؟

لأن شعبنا يفتقد إلى قاعدة مثل هانوي، ترى شبابنا يجترحون أسلحة جديدة هي: السكين، المفك، عجل السيارة وزجاجة المولوتوف. فتياتنا كما شبابنا الفلسطينيون يشلّحون الجنود الصهاينة، أسلحتهم ويستعملونها ضدّهم في مقاومتهم للاحتلال. ألم تسمعوا بعملية "بئرالسبع" للشهيد البطل مهند العقبي؟ إن الوحدة التي قاومها الشهيد هي وحدة خاصة في جهاز الشرطة الاسرائيلية، تدعى "اليسام"، وهي من قوات النخبة، وما يميزها هو القناع الذي يضعه أفرادها على وجوههم، بالإضافة إلى أنها تشكل القوة الضاربة في الشرطة .تستخدمها إسرائيل، وفقا للخبير الفلسطيني عمر جعارة، في اقتحام المواقع الصعبة وحفظ الأمن الداخلي واقتحامات السجون، وهي تتبع وزير الداخلية مباشرة، وقد حصل اشتباك بين الشهيد وهذه الوحدة، فيما تناقضت الرواية الاسرائيلية ومنها "ان اثنين نفذا العملية" ثم حصلا على بندقيتي، M16 ثم ادعوا أن أحد الاشخاص طعن جنديا واستولى على جهازه واشتبك ببندقيته، ومع هذا التناقض، فإن المؤكد أن الخسائر أكبر مما قاله الكيان. الشهيد مهند العقبي نفذ عملية اطلاق النار في المحطة المركزية في بئر السبع، وقتل خلالها جنديا واصاب 11 من الشرطة والجيش بجروح، وصفت جراح اربعة منهم بالحرجة. كما قُتل في العملية مهاجر افريقي من ارتيريا خلال الاعتداء عليه من الجمهور الصهيوني في المكان، ظنا منهم أنه منفذ العملية.

لو أن الشعوب الأخرى بحاجة إلى مقاومة واحدة.. فإننا بحاجة إلى عشر مقاومات، نتيجة لاستثنائية عدونا الاستيطاني، التهويدي، التهجيري والاقتلاعي الإحلالي، الصهيوني السوبر فاشي حتى العظم ماذا تريدون منا وهم يحرقون أطفالنا ويدمرون بيوتنا ويستبيحون مقدساتنا ويقتلعون أشجارنا؟ هل نرميهم بالورود؟ إذا كنتم عاجزين عن القتال فالزموا الصمت أمام عبق دم الشهادة الفلسطينية المقدس والطاهر.. ما من رفاه أو حياة في ظل الاحتلال، تماما كما لا حياة ولا تعايش بين الجسم الإنساني والسرطان الخبيث. قلناها سابقا، إن مقاومة اللاعنف التي استخدمها غاندي ضدّ الاحتلال البريطاني للهند، لا تنسجم مع طبيعة عدونا الفاشي.. حتى هذه السياسة ولّدت الكثير من اللااستقرار والاضطرابات. وأسالت الكثير من الدماء، حتى أدّت إلى مجازر في الهند، ناهيك عن السجون ومواجهات الشوارع بين الشعب والقوات البريطانية. فاستراتيجية غاندي كانت العصيان المدني، وجعل العدو لا ينام الليل، وخرق كل ما يضع من قوانين، وإجباره على اللجوء إلى العنف. وكان كل ذلك استراتيجية انتفاضية ناجحة في ظل الظروف التي عاشتها الهند، فالمَثَل الهندي هو في مصلحة الانتفاضة الشاملة وأقرب إليها.

مقاومة شعبنا ليست يأسا، بل الشعار الفلسطيني المرفوع هو "لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة". اليأس هو شعور يصيب الاٍنسان كدليل على فقدان الأمل في تحقيق أمر ما، نحن نعيش أمل تحرير الوطن الفلسطيني والعودة إلى بيوتنا وأرضنا. يؤدي اليأس إلى الااكتئاب والإحباط، وأشد حالات اليأس تسمى قنوطأ. لسنا مكتئبِين ولا محبَطين ولن نكون. مقاومتنا تتم عن إدراك واع، وبتخطيط، فردي أحيانا، وقد يكون لحظيا وكل هذه العمليات المقاوِمة بعيدة عن حالة القنوط، الذي يعني استسلاما وقبولا للحالة كما هي عليها.. أي قبول الاحتلال، هل سمعتم أو قرأتم عن استسلام فلسطيني في أي مرحلة نضالية ثورية على مدى قرن زمني؟ ماذا يريد هؤلاء من شعبنا حين تتواصل اعتداءات الجيش المحتل وقطعان المستوطنين والمستعربين ضده؟ خاصة الاعدامات الميدانية التي اتخذتها اسرائيل مؤخرا بحق أبنائه وبناته، والفيديو الذي يوضح أن جنديا صهيونيا اطلق رصاصة على شاب فلسطيني ثم رمى سكينا بجانبه، وأطلق عليه بعد موته (كإمعان في الحقد) 20 رصاصة.

وبدلا من قراءة مقالة دعم للانتفاضة الفلسطينية الحالية، كما يجري في معظم الصحف العربية الأصيلة، فحّ علينا أحد الكتبة (المكنّى زورا وبهتانا بانه عربي) بمقالة تقطر حقدا وسُمّا هل انقلبت الآية؟ وصار المُستعمِر الإسرائيلي المحتل، الذي يقتل ويذبح، صديقا صاحب حق، والمظلوم المستعمَر، الفلسطيني الذي سُرقت أرضه وقُتل أولاده، "مجرما إرهابيا" بنظره، هذا الذي يقلب المعايير ويهاجم الشعب الفلسطيني، متهما إياه بالإرهاب وارتكاب الجرائم، بعد الهبة الشعبية الأخيرة، وطعن عشرات الإسرائيليين بالسكاكين، هذا الذي صمت دهرا ونطق كفرا والناعق بأنه يجب على رئيس السلطة الفلسطينية، وقف ما سماه "التحريض على الكراهية"، كما يجب عليه "إدانة الهجمات التي تستهدف إسرائيليين"، مستشهدا بكلام رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن "إرهاب السكاكين الفلسطيني لن يهزم إسرائيل"، والزاعم بأنه من حق إسرائيل "الدفاع عن النفس وقتل الإرهابيين الفلسطينيين مهما كانت أعمارهم، أطفالا وشبابا ذكورا وإناثا"، أمام ما وصفه بـ"جرائم الفلسطينيين وإرهاب سكاكينهم ضد الجنود الإسرائيليين ومحاولات الاستيلاء على أسلحتهم"، ويتأفف من صمت المجتمع الدولي عما سماه "جرائم الفلسطينيين ضد الإسرائيليين" ويردد كالببغاء الذي لا يفقه، التبرير الصهيوني للفاشية المُطوّرة "بحق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها وعن شعبها ومواطنيها"، والمُدعي كأسياده الصهاينة: أن "دولة إسرائيل ستبقى قائمة لا يُرهبها إرهاب السكاكين الفلسطيني، بينما شتات مخيمات اللاجئين الفلسطينيين زائل لا محالة، لأنه باطل فلسطيني أمام حقّ إسرائيلي واضح وجلي، على الرغم من تخاذل المجتمع الدولي عن مناصرة إسرائيل في دفاعها عن نفسها وعن شعبها وجنودها". والمستنتج في ختام لطخة العارالتي جاءت بها مقالته: "هكذا ينتصر الحق الإسرائيلي، على الرغم من قلَّةِ مُناصريه ويُهزمُ الباطلُ (الفلسطيني) على الرغم من كثرة المصفقين له".

بصدق أقول، تصورت هذه الكلمات السوداء على صفحة من الفحم الاسود.. أن كاتبها من اليمين الصهيوني الاشد تطرفا مثل عوفوديا يوسف ومائير كهانا وزئيفي، لكنهم جميعا لم يصلوا إلى هذه الدرجة من الفحيح.

ما أثلج صدور الفلسطينيين العرب في الوطن والشتات، هذه المظاهرات الرائعة في لندن وباقي المدن الأوروبية الأخرى، كما في بعض العواصم الأوروبية، للتضامن مع نضالات شعبنا. جميع المتظاهرين طالبوا حكومات بلدانهم بوقف دعمها للحكومة الإسرائيلية، والكف عن تبرير انتهاكاتها المتواصلة لحقوق الإنسان في فلسطين. كما رفع متظاهرو العاصمة البريطانية، أمام السفارة الإسرائيلية في لندن، شعارات تطالب بالعدالة للفلسطينيين، ورفع أيدي الإسرائيليين عن المسجد الأقصى، كما هتفوا بشعارات ضد ما وصفوه بالعمليات الإجرامية التي يقوم بها المستوطنون بحق الفلسطينيين أمام أعين شرطة الاحتلال. ودعت إلى هذه المظاهرة منظمات غير حكومية، منها "أصدقاء الأقصى" و"حملة التضامن مع فلسطين". وكذا فعل المنتدى الفلسطيني في بريطانيا وغيرها الكثير.

نعم نفتقد للأسف إلى التظاهرات العربية في معظم العواصم العربية (باستثناء التي جرت وتجري في بعضها القليل) وهذا أضعف الإيمان المجد لشعبنا المصمم على طرد محتلي أرضه واستعادة كل حقوقه كاملة غير منقوصة والخلود لشهدائنا.

٭ كاتب فلسطيني

د. فايز رشيد