اتفقنا أم أختلفنا حول طبيعة الأحداث التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، إذا ما كانت هبة شعبية أم أنها تحمل معالم انتفاضة ثالثة؟، وعن الأسباب الحقيقية التي عملت على تفجيرها؟، ومدى قدرتها على التواصل والصمود في وجه المؤثرات المحيطة بها؟، وهل فعلاً أسست لمرحلة جديدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحددت ضوابطها؟، وإلى أين ستقود الشعب الفلسطيني؟، وما دور الفصائل الفلسطينية فيها؟، اتفقنا أم اختلفنا حول كل ذلك، المؤكد أن هنالك جملة من الحقائق أفرزتها الأحداث ونقشها الواقع بدقة وهي:
أولاً: أن الجيل صاحب الملكية الحصرية لها، التي لا يجوز لأجيال أخرى إدعاء قيادتها أو حتى مشاركته فيها، هو جيل ما دون العشرين، بمعنى أنه الجيل الذي ولد على أعتاب اتفاق أوسلو، وهو الذي أمضى عقده الأول في أحلام بعثرها العقد الثاني، فبدلاً من أن يمضي بخطاه على رغد الوعود وجد نفسه يقف على قساوة الواقع.
ثانياً: أن الجيل الشاب المنخرط بتفاصيل الأحداث ابتكر أدواته وأعاد صياغة البعض منها من جديد، وبالتالي هو دون غيره من حدد طبيعتها وأدواتها، لا يريد لها أن تكون نسخة عن تجربة "غاندي" لإدراكه بأن الاحتلال لا يفهم شيئاً من هذه اللغة، ولم يذهب إلى عسكرتها كي لا يمنح قوات الاحتلال فرصة فرض قواعد الصراع المبنية على قوة ترسانتها العسكرية من جهة، وكي يحافظ على التعاطف الدولي بجانبه من جهة أخرى.
ثالثاً: الفصائل الفلسطينية كل منها يحاول إمتطاء صهوة الحراك، سواء كان ذلك عبر التصريحات الاعلامية أو من خلال السعي الحثيث لتبني الشهداء، لكن الواقع يفسد عليهم ذلك، وإن كان لا يعني هذا أن الحراك الشعبي لا يخوض غماره البعض من أنصار هذا الفصيل أو ذالك، لكن هؤلاء يتحركون بدافع الحس الوطني أكثر منه بدافع الانتماء الحزبي.
رابعاً: المشاركون في الحراك الشعبي بخلفيات ثقافية مختلفة عن تلك التي إعتادت أجهزة أمن دولة الاحتلال عليها، ولا يعتمدون على بنية تنظيمية يمكن لأجهزة أمن الاحتلال أن توجه لهم ضربات تربك عملهم، وهو الذي فرض على القيادة الإسرائيلية حالة من التخبط يمكن رصدها من خلال محاولتها إلصاق تهمة التحريض بالكل الفلسطيني دون إستثناء.
خامساً: فعاليات الحراك الشعبي أثبت أن من يخوض غماره من الجيل الشاب يتمتع بجرأة عالية تجاوز من خلالها حاجز الخوف، ويستند على مفردات الإقدام دون أن يسمح للتردد بالتغلغل إليه، كأن هذا الجيل الذي لطالما وجهت له اصابع الإتهام بأنه جيل شبكات التواصل الاجتماعي أراد أن ينفض عن ذاته تلك الصورة التي حاول البعض أن يضعه في إطارها المغلوط.
ساساً: يخطيء من يعتقد أن الأحداث يمكن التحكم بها عن بعد، وأن وتيرتها مرتبطة بقرار، حيث أن واقعها يشير إلى أن قابليتها للتوسع أكثر من قابليتها للإنكماش، ويومياتها يتم التحكم بها عن قرب، وإن هدأت أحياناً فإنها ستعود إلى وهجها من حيث لا يتوقعه الكثير، في الوقت الذي ينشغل فيه الكثير بتسميتها ينشغل أصحابها بيومياتها.
د. أسامه الفرا