في خضم المراحل المهمة التي تقطعها الانتفاضة في فلسطين على يد الشعب الذي قهر مرات ومرات كانت آخرها بوعود وهمية جردته من خلالها السلطة والأجهزة الأمنية من أسلحة المقاومة ونفسية المقاوم بحجة أن الدولة العتيدة ذات السيادة والكرامة ستأتي على متن أول طائرة أممية تحمل علم فلسطين تهبط في مطار السلام في فلسطين؛ فإذا بتلك الأكذوبة محطة إحباط جديدة كانت واضحة في ثنايا حديث رأس هرم الأمم المتحدة بان كي مون في قلب رام الله وعلى بعد أمتار من مواجهات تنتهك فيها قوات الاحتلال أبسط أنواع السيادة وحواجز واقتحام لميدان يرفع في أعلى البرج فيه أكبر علم لفلسطين؛ ذاك العلم الذي شارك كي مون في رفعه على مبنى الأمم المتحدة.
على العموم سارت الانتفاضة وبدأت أصوات مختلفة بشكل غير مباشر تظهر على صعيد السلطة والفصائل وحتى فئات في الشعب، فديمومة الانتفاضة وانطلاقها وشكلها واسمها تحول إلى جدل وصل إلى هدر وقت كبير للعديد من الفئات والفصائل في نقاشه العقيم، كما أن نظرة كل فئة للانتفاضة باتت تأخذ شكل التسوق في سوبر ماركت وعروض ومدة الصلاحية وغيرها بعد أن كانت الانتفاضة غرفة عمليات جراحية في المستشفيات للتخلص من الألم والوجع والمرض تحولت إلى مزاجية التسوق.
وهنا عتب كبير على بعض وسائل الإعلام والمراسلين والكتل الطلابية والنقابات والعديد من شرائح المجتمع والفصائل على تصرفات أكدت أن تلك الفئات خرجت "مجاملة" في الانتفاضة وشاركت بأهداف ضيقة في محطات أخرى ونعت الشعب وهاجمت الثوار وخلقت حلقات نقاش جانبية فارغة المضمون وغيبت العقل لصالح العجز والكسل وبررت الترهل الفصائلي على أنه ترقب وانتظار وغاب العديد عن الساحة بحجة عدم وجود أفق وجدول ووصفه البعض على أنه انتحار شعبي؛ وكل كلمات الفلسفة التي ولدت من رحم الفشل وعدم الثقة بالنفس باتت تستخدم في قلب غرفة العمليات التي أراد البعض أن يراها سوبر ماركت ليأخذ ما يريد منها ويتجاهل ما لا يرغب به.
نعود مرة أخرى للجبهة الداخلية التي هي رأس الحربة يا قوم.. فلا يعني غياب الرؤية عند البعض والكسل والعجز والترويض أن الذي يجري مجرد غضب ويمر؛ تلك النظرة إهانة لمهند حلبي وللمسجد الأقصى ولعلي دوابشة ولقائمة الشهداء والأسرى والجرحى والحرائر، تلك النظرة يا كرام ضوء أخضر للاحتلال بفعل ما لا يرغب فيه جميعكم وهو تسريع التقسيم الزماني والمكاني فتصبحون خدما للاحتلال من حيث لا تدرون.. تلك النظرة لما يجري إهانة للانتفاضة والحق الفلسطيني المستمر في ثورته في مسارها الطبيعي؛ ففي فلسطين يا كل الأطياف معركة مصير ومواجهة هي المسار الطبيعي في المشهد والعابر فيه هدوء هنا وتهدئة هناك ومحاولات تسوية فاشلة.
النظر للانتفاضة بمقاسات شخصية وحزبية وتسويق بعضها على حساب الحق الفلسطيني والمقاومة ودماء الشهداء أمر معيب لن يخدم إلا مشاريع الاحتلال الذي يراقب عن كثب جغرافيا وفئات وشرائح وتطورات الانخراط في هذه الانتفاضة، فكل وقت يهدر وكل فلسفة تطرح جانبيا وتسويقها على أنها رئيسية وتكاسل وعجز وتقوقع وتنصل من المسؤولية كلها أسلحة أنت تساهم مع الاحتلال في مزيد من سحل النساء وإعدام الشبان وتفتيت الجبهة الداخلية وحرف المسار، فإيانا جميعا أن تؤتى الانتفاضة من قبلنا وهنا الحديث عن الإعلاميين والمسؤولين والكتل الطلابية والفصائل والشعب والكتّاب ووسائل الإعلام والهيئات والنقابات .. الرجاء أن لا تصوروا عجزكم وفشلكم وتخاذلكم على أنه وجهة نظر في ملف مهم لا يختلف فيه غيورون على شرف وكرامة شعب يستعيد عافيته وينطلق في كرامة وانتفاضة تربك الاحتلال الذي عزاؤه في حالات كثيرة تلك الأصوات والسلوكيات الهدامة.. ويستثنى من حديثي كل من يخوض تلك الانتفاضة من الشرائح المذكورة انتصارا حقيقيا وعملا واضحا لتحرر ومعركة مواجهة باتت حتمية بل لهم من الشعب ألف تحية.
بقلم/ محمد القيق