لا يخلو تصريح صحفي لرئيس حكومة الاحتلال من توجيه تهمة التحريض على "العنف" لهذه الجهة أو تلك، وقائمة المحرضين لديه بدأها بالرئيس الفلسطيني وحكومته، قبل أن يضم إليهما حركتي فتح وحماس، ومؤكد أن باقي الفصائل الفلسطينية لم يسقطها من حساباته، ولم يتوقف عند هذا الحد بل اضاف إليهم الحركة الاسلامية داخل الخط الأخضر وبعض النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي كما جاء في خطابه أمام الكنيست، ولم يكتف نتانياهو بهذه القائمة الطويلة من المحرضين بل وجه تهمة التحريض لبعض الدول الإقليمية دون أن يذكرها، والمضحك أن تهمة التحريض عند نتانياهو تحولت إلى هاجس يطارده في أحلامه، حيث استيقظ من واحدة منها ليتهم المفتي الحاج أمين الحسيني بأنه من حرض هتلر على "الهولكوست".
الحقيقة التي نتفق فيها مع نتانياهو أن جملة من العوامل التحريضية تقف خلف الأحداث التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، وطالما تواجد التحريض ستواصل الهبة الشعبية مسيرتها حتى وإن هدأت موجاتها لأيام لن تلبث أن تعود، ومن الصعب رصد حدودها وأدواتها سيما وأن التحريض تغلغل في جيل لا يريد لمستقبله أن يبقى رهن التنصل الإسرائيلي لحقوق شعبه من جهة والعجز الفلسطيني من جهة ثانية، جيل آمن بأن عليه أن يمتلك المبادرة ليكسر بها جدار الصمت الدولي، والواضح أنه يريد أن يخوض تجربته انطلاقاً من قناعاته التي أرضعها له الواقع.
نعم هناك منظومة تحريضية لم يهدأ ضجيج آلياتها على مدار السنوات السابقة، ونتانياهو يعرف قبل غيره أن قائمة المحرضين التي أعدها والقابلة للزيادة طولاً وعرضاً ليست سوى ذر للرماد في العيون، وأن المحرض الحقيقي الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن الاحداث صغيرها وكبيرها يكمن في اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي بات يمسك بتلابيب السياسة الإسرائيلية، تلك السياسة التي باتت المحرض الأكبر وما دونها يكاد يقتصر دوره على التعليق لا التحريض، إن السلالة التي خرجت من رحم هذه السياسة تحمل في جيناتها قوة تحريضية تكفي لإشعال الأخضر واليابس في المنطقة.
قد يكون من المفيد لحكومة نتانياهو وهي تعد بنك أهدافها بالمحرضين ألا تتجاهل المحرضين الحقيقين وهم:
أولاً: تنصل حكومة الاحتلال من حل الدولتين والضرب بعرض الحائط للاتفاقات الموقعة وإجهاض اي مبادرة يمكن أن تقود لحل يستند على فكرة الدولتين.
ثانياً: سياسة التوسع الاستيطاني بهدف خلق واقع على الأرض ينسف فكرة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ثالثا: عربدة عصابات المستوطنين بدعم ورعاية من قبل جيش الاحتلال، والذي تحول سلوكهم اليومي إلى إرهاب فاق في تفاصيله ما كانت تفعله عصابات المافيا.
رابعاً: إنتهاك حرمة المسجد الأقصى من قبل قيادات إسرائيلية وعناصر يمينية بحجة هيكلهم المزعوم.
خامساً: التغول على الشعب الفلسطيني بحروب مدمرة وحصار قاتل وحواجز مذلة وإعتقالات متواصلة.
إن أرادت حكومة نتانياهو أن تخمد النار التي اشعلتها بسياستها الحمقاء فعليها أن تلاحق المحرضين الحقيقين لا أن تجعل من المعلقين هدفاً لها.
د. اسامه الفرا