مع استمرار الانتفاضة الشعبية الفلسطينية وتصاعد وتيرتها يوما بعد يوم واتخاذها شكلا منظما و ممارسة شعبية مناهضة للاحتلال لا تستطيع كل قوي الارض مواجهتها لأنها قرار شعبي بامتياز ,قيادته الشعب وادواته الشباب المقهور الذي فقد الامل في قبول اسرائيل بقرارات الشرعية الدولية وفقد الامل في قدرة المجتمع الدولي على ممارسة العدالة الدولية بشيء من المسؤولية الدولية , بعد ان بدأت ملامح وفلسفة الانتفاضة الشعبية تتضح لكل قراء السياسية في العالم ,بدأ العالم يشعر بمزيد من الانزعاج لهذا الحدث الكبير الذي لم يحاول توقعه ,والذي فجره الشباب الفلسطيني ولم يروق هذا المشهد لكثير من دول العالم التي تدعم اسرائيل وتساند احتلالها الغاشم خاصة واشنطن التي كشفت هذه الانتفاضة عورتها بالدرجة الاولى وكشفت عورة وزير خارجيتها الذي يقضي ساعات من الاتصالات طوال الاسبوع الماضي لمحاولة تخفيف التوتر بين الطرفين دون ان يستحي بمساواة الضحية بالجلاد والقاتل بالمقتول , ودون ان يعترف ان هناك احتلال غير شرعي يجب ان يرحل عن الارض الفلسطينية الى الابد لان استمراره يعني استمرار فقدان كل شعوب المنطقة الامن والاستقرار , ودون ان يطلب من اسرائيل التوقف فورا عن التهويد والاستيطان ووقف حقيقي وليس تكتيكي لكل مخططات تقسيم المسجد الأقصى المبارك.
التقي مؤخرا السيد جون كيري بنتنياهو في المانيا للتباحث في سبل احتواء التوتر كما يسمونه في الاراض الفلسطينية ويبدو ان كيري جاء الى اللقاء بدون خطة لأنه بالأساس لم يأتي ليتحدث بقضايا الحل النهائي وبالتالي اصبح ما سينقل لا أبو مازن مجموعة اجراءات على الطرفين تنفيذها , لم يطلب من نتنياهو سوي ضبط النفس , ومحاولة عدم تصعيد الموقف في المسجد الأقصى , لكن نتنياهو طلب من كيري ان يتحدث مع الرئيس ابو مازن خلال لقاءه الحالي بوقف التحريض الفلسطيني وان يبذل الرئيس ابو مازن جهدا اكبر لوقف العنف الفلسطيني حسب تعريف نتنياهو للانتفاضة الشعبية , كان لقاء نتنياهو كيري مسخره بالفعل واثبت كيري ضعفه الشديد امام نتنياهو وهذا الضعف كان عنوان هذه المسخرة السياسية , نتنياهو هو الذي يدير ويوجه الدبلوماسية الامريكية فيما يتعلق بالصراع , لقد كشف كيري المزيد عن عورته البشعة والتي لم يعد قادراً على سترها لان اسرائيل عرفت كيف تؤثر على واشنطن في قضية النووي الايراني , والان التدخل في سوريا واظهار انها مهددة , ويبدو ان واشنطن حتى اللحظة مازالت تحاول استرضاء اسرائيل ولا تملك اي خطط للضغط على اسرائيل في موضوع الصراع وقبول حل تطبيق الدولتين .
بان كي مون جاء الى المنطقة والتقي رؤوفين ريفلين رئيس الكيان والتقي نتنياهو ويبدو انه اضعف من ان يحقق ضغطا معينا لتتراجع اسرائيل عن مخططاتها الاستيطانية و اقتحاماتها للمدن الفلسطيني واقتحامات المسجد الأقصى واستهداف المقدسات وحل الدولتين , الجديد ان نتنياهو حمل بان كي مون رسالة للسيد الرئيس وهذا الخطير ان نتنياهو استطاع ان يوظف بان كي مون في وزارة الخارجية الاسرائيلي ولم يعد محايدا , رسالته انه يريد من ابو مازن ان يوافق فورا على الالتقاء بنتنياهو لبحث سبل احتواء الانتفاضة , لا اعتقد ان القادم يبشر بخير ويفاجئنا العالم بقول كلمة عدل مفادها ان الاحتلال الاسرائيلي هو سبب ما يجري على الارض الفلسطينية ,ويكتفي العالم بالبحث عن سبل حل الازمة الحالية دون التطرق للأسباب الرئيسة التي ادت لهذه الازمة ويحاولوا استرضاء نتنياهو والتوسل اليه تخفيف الاجراءات الاحتلالية في القدس والاعلان عن عدم نية اسرائيل تغير الوضع القائم في المسجد الاقصى مع بقاء السيادة الاسرائيلية . .
بعد لقاء كيري والرئيس ابو مازن اتضحت كل تفاصيل مخطط احتواء الانتفاضة وتحقيق لإسرائيل ما تريد دون عناء ودون مواجهة , الامريكان طالبوا من ابو مازن خفض التوتر و وقف التحريض والا فان واشنطن جاهزة لوقف المساعدات الامريكية للسلطة بسبب ما يسميه مجلس النواب الامريكي التحريض ضد اسرائيل ,الرئيس رفض كل ما طلبه كيري والذي من شأنه ان يصاعد المواجهة وقال لكيري رسميا عندما تلتزم اسرائيل بالاتفاقيات الموقعة بيننا سوف نلتزم بها , ورفض الطلب الامريكي بإبداء حسن النوايا بالتهدئة ,ورفض الاجتماع الرباعي في الاردن بحضور نتنياهو , الصورة تقول ان لقاء كيري ابو مازن قد فشل لان كيري لم يطرح شيئا عمليا ولم يقدم خطة عمليه سوي التحدث في بعض الخطوات التي تحقق الهدوء والامن والتحكم التام في كل شيء بالمسجد الأقصى , في الدخول و الخروج في تنظيم اقتحامات الأقصى ولليهود , لم يتطرق الاجتماع لغير ذلك وما تم اقتراحه من تنصيب كاميرات ليطمئن الفلسطينيين بأن اسرائيل لن تقسم المسجد الأقصى مكانيا ,لن يغير شيء فإسرائيل تمكنت من كل شيء تحت المسجد الأقصى وهناك مدينة دينية سياحية يهودية كاملة تحته سيتم افتتاحها في العام 2017 .
كل ما قدمه كيري ونقله عن نتنياهو يدلل ان الادارة الامريكية تحاول في هذا الوقت ادارة الازمة وليس حل الصراع عبر الضغط على ابو مازن ليستجيب لخطة كيري التافهة والتي لم تأتي بجديد وبالتالي يريد الجميع الحصول على الهدوء وعدم مقارعة المحتل والقبول به والتعايش معه وهنا يصبح موضوع انهاء الاحتلال ووقف انتهاك المدن الفلسطينيين وكبح جماح المستوطنين ووقف اقتحام المسجد الأقصى ,وفتح افاق جديدة لتناول ملفات الحل النهائي وتقديم حلول ابداعية تنهي الصراع الطويل ,وتوفر الامن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة خارج دائرة كيري ولا يستطيع التحدث فيها وما يريده فقط ان يدفن جمر الانتفاضة الفلسطينية حتى لا تشتعل اكثر من ذلك على امل ان تنطفي تماما ,وهذا لم يستطيع كيري ولا بان كي مون تقديره حتى الان ,لان ما قدموه سيشعل الانتفاضة اكثر ويزيد من درجة المواجهة بين الشعب الواقع تحت قهر الاحتلال وقوي سلطات الاحتلال الصهيوني الغاشم .
بقلم/ د. هاني العقاد