الكوفية الفلسطينية تاريخ نضال وثورة شعب ضد الاحتلال

بقلم: عباس الجمعة

الكوفية الفلسطينية والتي تعرف بالحطة ذات اللونين الأبيض والأسود الكل يعرفها ، فتاريخها ورمزيتها راسخة في الأذهان ، تلك التي اعتاد الفلاح الفلسطيني أن يضعها على رأسه وهو يعمل بأرضه لتقيه حر الشمس وبرد الشتاء، ارتبط أسمها ورسمها بنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال البريطاني وتألقت في أحداث عام 1936م ، حين تلثم فيها المناضلون بالكوفية لإخفاء ملامحهم أثناء نضالهم ضد الاحتلال البريطاني ، والعصابات الصهيونية .
وعلى هذه الارضية شكلت الكوفية نموذجا في العمل الفدائي خلال فترة الستينات والسبعينيات والثمانيات وما بعدها من السنين ، حتى اقترنت الكوفية عند شعوب العالم أجمع باسم فلسطين ونضاله ضد العدو الصهيوني ، وتجاوزت بذلك كل الحدود الجغرافية لتصبح رمزاً لقضية فلسطين العادلة ، بكل محطاتها من مقاومة الاحتلال ، ودحض أساطيره ، والوقوف مع أصحاب الأرض والمقدسات ، لذا كانت وما زالت حاضرة دائما في كافة المناسبات والأنشطة على جميع مستوياتها ، لتكون بلا منازع أبرز إشارة مرتبطة بقضية فلسطين وحقوق شعبها .
ومن هنا نحذر من محاولة الصهاينة سرقة التراث الفلسطيني ، وخاصة الكوفية التي بدأوا بتحرفيها باعتبارها تشكل خارطة فلسطين وما سرقة الكوفية من قبل الصهاينة والعمل على تطريز كوفية اخرى أنتجوها وأغرقوا بها الأسواق، بهدف الغاء الكوفية الفلسطينية التي عبرت عن القضية الفلسطينية بكل تعقيداتها ، وشكلت خيوطها نسيج الذاكرة ، تتطلب اليقظة من هذه المحاولة التي تهدف الى طمس التراث الفلسطيني ، فهذه الكوفية الفلسطينية تمثل رمز نضالنا وعنوان فلسطين لم يتغير اسمها ورسمها مع كل الأحداث ، حيث ستبقى صامدة أمام كل زيف الدعاية الصهيونية ومحاولة السلب والتزييف .
ونحن على يقين بأن السطو على التراث الفلسطيني هو جزء من السطو على أرض فلسطين ، تاريخ يسرق ويتم الاستحواذ عليه قطعة قطعة ، حجراً حجراً ، إنهم يسرقون ذاكرة الأمة يستلون روحها لتحويلها إلى أمة بلا تاريخ ، لكونهم بلا تاريخ ، يريدون أن يصنعوا تاريخاً وراء الزجاج في متاحفهم ، تأكيداً لسطوتهم ، ولا غرابة فهذه عادة اللصوص فلا خيار أمامهم إلا الاستمرار في السرقة ، ولكن الحقيقة التي طالما عملوا على تغيرها ستبقى فلسطين ... ارض بها شعب حقيقة أكدتها الأيام ، ووثقتها الأحداث ، فهو شعب له تراثه وتاريخه ومقدساته وله لباسه وثقافته وعاداته وتقاليده ولهجته وطبائعه ، وارتباطه بأرضه الأرض من خلال هبة الشعبية العارمة شاهدة على وجوده مهما كانت التضحيات.
ان الشعب الفلسطيني العظيم مثله مثل باقي شعوب الأرض يحب الكفاح والنضال والفرح والشعر والفن رغم انه عانى ومازال يعاني القهر والظلم والاجحاف نتيجة هذا الاحتلال البغيض لهذه الأرض الفلسطينية ، وهو شعب حي ومبدع وفلسطين هي مصنع الرجال، ومن رحمها كان الشهداء القادة العظام الرئيس الرمز ياسر عرفات والحكيم جورج حبش وابو العباس وطلعت يعقوب وابو علي مصطفى وابو جهاد الوزير وابو اياد وابو عدنان قيس وابو احمد حلب وعبد الرحيم احمد وزهير محسن وفتحي الشقاقي والشيخ احمد ياسين والكثير من القادة الميامين ، من رحمها خرج الشاعر الغائب الحاضر دائماً محمود درويش ،وسميح القاسم ،وتوفيق زياد، وإبراهيم طوقان، وفدوى طوقان ،وعبد الرحيم، محمود وغسان كنفاني ،ومعين بسيسو ،وناجي العلي ، وأبو عرب ،ومحمود سعيد والكثير من القادة والشعراء والعلماء والأدباء والفنانين والمحامين والأطباء ، فهذه الكوفية رمز الصمود والتحدي والصمود و العزة والكرامة والشموخ والكبرياء ورمز النضال والكفاح الفلسطيني ورمز الحق الفلسطيني ، فهي لها علاقة بالتاريخ وعلاقة بالمقاومة والبندقية، وعلاقة بالزعيم الخالد ياسر عرفات الذي اعتمر الكوفية ورفعها واشتهر بها بارتدائه الكوفية، ولم يظهر في أية مناسبة وطنية أوسياسية وبدونها، كما يرتديها أبناء الشعب الفلسطيني في كافة المناسبات الوطنية، فهذه الكوفية التي تشكل بخطوطها السوداء والبيضاء تحمل الكثير من العشق الفلسطيني والنضال الفلسطيني ، فهي تجمع أبناء الشعب الفلسطيني، صحيح انه هناك أكثر من لون للكوفية ، الا ان هذه الكوفية البيضاء والسوداء هي اللون السائد والوجدان الجمعي الذي يجمع الفكر الفلسطيني فهي مظلة للإنسان الفلسطيني بشكل عام.
وامام كل ذلك نرى ان شباب وشابات واطفال فلسطين بهبتهم الشعبية يغطون وجوههم بالكوفية وهم يرشقون الحجارة والزجاجات الحارقة، تجاه الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه، ومنهم من يلفها على كتفيه ورأسه، أو يلوح بها، حيث تتصدر المشهد اليومي، في التظاهرات والمواجهات، رمزا للنضال الفلسطيني، كما ان الكوفية اصبحت لدى شعوب العالم واحزابها التقدمية واليسارية تشكل رمزا للتضامن مع الشعب الفلسطيني، إذ يقوم متضامنون في شتى دول العالم بارتدائها في المسيرات التضامنية الرافضة للعدوان الصهيوني .
وفي هذه اللحظات نرى ان بعض القوى الفلسطينية ادخلت على الكوفية اللون الأبيض والخطوط السوداء، ألوانا أخرى مختلفة منها الأخضر، والأحمر، وكوفية بألوان علم فلسطين، لتواكب العصر الحديث.
ختاما: نؤكد ان شباب وشابات واطفال فلسطين يتمسكون بكوفيتهم ، ويشاركوا جميعا في رسم ملامح الهبة الشعبية ، حيث يواجهون بصدورهم العارية رصاص الاحتلال وصمت العالم ، فاعطوا للانتفاضة بعدها الشعبي ،لانها ثورة سلاحها الأيادي والسكاكين والحجارة والارادة القوية لاستعادة الحق المسلوب وتحرير الارض ، فهذه الهبة الشعبية العارمة تعم الاراضي الفلسطينية وتشارك فيها المراة الفلسطينية ملثمة بالكوفية، فالمرأة الفلسطينية لم تغادر ميدان المواجهة مع الاحتلال ، وهي حاضرة في أكثر من صورة ، من خلال النزول إلى ساحات الاشتباك ، وإلقاء الحجارة ، على الرغم من المخاطر الكبيرة ، وما ميز هذه الانتفاضة ايضا ان هؤلاء الشباب والشابات هم طلبة جامعات فمنهم من له انتماءاته السياسية ، ونحن على يقين بأن الشعوب العربية واحزابها وقواها واحرار العالم سيواصلون دعم انتفاضة شعبنا ، وان دماء الشهداء التي سالت لن تضيع هدرا فهذا هو الطريق نحو تحرير الارض والانسان واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة لابناء شعبنا اللاجئ في المنافي والشتات الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجر منها عام 1948.

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي