قبضة اليمين المتطرف

بقلم: أسامه الفرا

قرار رئيس حكومة الاحتلال بمنع أعضاء حكومته من دخول المسجد الأقصى يأتي ضمن محاولتة لتهدئة النار المشتعله، والطلب منهم ومن أعضاء الكنيست عدم الإدلاء باي تصريحات استفزازية تثير حفيظة الفلسطينيين محاولة منه لمنع صب الزيت على النار، ونتانياهو دون سواه من أجبر نائبة وزير خارجيته "تسيفي حطبولي" بالتراجع عن أقوالها التي تتمنى فيها أن ترى العلم الاسرائيلي يرفرف على المسجد الأقصى.
فهل يعني ذلك أن نتانياهو تخلص من قبضة اليمن المتطرف؟، وأنه أدرك بعد سنوات طويلة في الحكم والمعارضة بأن عليه مراجعة فلسفته ومعتقداته؟، وهل يمكن لتصرفاته تلك أن تجعل البعض منا يعتقد بأنه بات أقرب للسلام منه للحرب والدمار؟، والأهم هل من الممكن أن ينقلب نتانياهو على اليمين أو بمعنى أدق على ذاته؟.
نتانياهو لم يؤمن يوماً بالسلام، وكرس حياته لإجهاض أي تحرك يمكن له أن يفضي إلى سلام في المنطقة، ولعل رئيس بلدية كرميئيل أصاب حين قال بأن قتلة اسحق رابين هم اليوم على سدة الحكم في اسرائيل، رابين الذي تمنى أن يصحو من النوم ليجد البحر قد ابتلع غزة أدرك أن حلمه لن يتحقق، وأيقن بعد فشله في المائة يوم التي قطعها على نفسه لإنهاء الانتفاضة الأولى بأن أمن اسرائيل لن يتحقق على أنقاض الحلم الفلسطيني، لذلك سارع إلى التخلص من الأوهام التي عاش في كنفها قادة الاحتلال، وشق طريقه بمعزل عن اليمين الاسرائيلي المتطرف، كان هو الأقرب لتحقيق سلام في المنطقة، لم تتركه قبضة اليمين يمضي في طريقه، يخطيء من يعتقد أن شاباً "مخبولاً" هو من أطلق الرصاص عليه، منظومة اليمين في اسرائيل هي من أعدت لإغتياله وأشرفت على تنفيذه.
نتانياهو ليس خليفة رابين ولم يكن يوماً من رفاقه، تعلم من سلفه اسحق شامير بأن المفاوضات مع الفلسطينيين هي من أجل المفاوضات، وتفوق على استاذه حين جعل عجلة المفاوضات تسير بالمنطقة إلى الخلف، وهو يعلم أكثر من غيره أن اليمين المتطرف يمسك بتلابيب دولة الاحتلال، لم يحاول يوماً الانعتاق من قبضته بقدر ما استهواه دور "المايسترو" له، هو من يحدد ايقاع العمل ويجيد توزيع الأدوار للعازفين على وتر التطرف، ونجافي الحقيقة إذا ما قلنا أن ما ينتجه نتانياهو لا يتناغم مع واقع المجتمع الاسرائيلي، ذلك المجتمع الذي باتت مكوناته بقبضة اليمين المتطرف، حيث اختفت فيه أصوات دعاة السلام فيما البقية الباقية منها استسلمت لتغول اليمين المتطرف.
نتانياهو بحاجة لأن يخمد النار المشتعلة ليس من خلال معالجة أسبابها بقدر ما يعمل على محاصرة لهيبها، الحراك الشعبي هو من أجبره على التراجع خطوة إلى الوراء، لكنها بالتأكيد لا تأتي ضمن مراجعة للفسلفة التي تحكمه بقدر ما تحمله من إعادة تموضع ضمن سيناريو لعملية خداع جديدة يحرص أن يكون "للكومبارس الأمريكي" مساحة فيه، والحقيقة أنه ممثل بارع يجيد دور بطولتها، لكن ما يفسد عليه ذلك أن مسرحيته الهزلية لم تعد تنطلي على شبل فلسطيني.

د. اسامه الفرا