حزب مكافح يستحق التقدير

بقلم: عباس الجمعة

واحد وتسعون عاما من النضال والكفاح قطع الحزب الشيوعي اللبناني طوال هذه العقود مسافات طويلة (سهلة وشائكة، علنية وسرية) متنقلاً من محطة إلى محطة، وهو الحزب الذي عاصر مختلف العهود (الاستعمار الفرنسي و الاستقلال ، فكان حزبا مؤمنا بالفكر الماركسي باعتباره أيديولوجيا الطبقة العاملة، لا يتنافى مع ذلك، لأن تأسيس رؤية أو وعي لطبقة معينة هي الطبقة العاملة في صراعها من أجل انتصارها يفترض الاستناد إلى الرؤية الماركسية، واسس التصورات التي تعبر عن هذه الطبقة في صيرورتها، والذي يسمح لأن يؤسس وعيها بما يجعلها قوة فاعلة في المجتمع، فكان حزب الطبقة العاملة ومبادرا وداعيا إلى تأسيس النقابات ، مدافعا صلباً عن حقوق العمال وتأمين مطالبهم وحقوقهم في الطبابة والتعليم وتأمين السكن وغيرها، فوقف ضد الإقطاع ، واستمر في نضاله فوقف الى جانب مزراعي التبغ في الجنوب ، وبعدها كان من احتضن الثورة الفلسطينية على ارض لبنان الى جانب الاحزاب والقوى الوطنية والتقدمية اللبنانية فشكل تاريخ له صفحات ومراحل. في فجر المقاومة وكان رائدا، لذلك اليوم نجد ان الحزب واحدا موحدا بقدراته وامكانياته وطاقاته، يتطلع الى مزيد من اجتذاب المواطنين والجيل الجديد.
ومن هذا الموقع ناضل الحزب الشيوعي اللبناني من اجل الكرامة الإنسانية وحرية التعبير وحق التظاهر والتنظيم النقابي، وكان له دوره البارز في المقاومة فشكل الجيش الشعبي لمواجهة العدو الصهيوني وقدم الحزب الشهداء في المعارك الوطنية للدفاع عن لبنان وعروبته وتطوره الديمقراطي ، وفي الدفاع عن الطبقة العاملة والفكر التنويري الثوري.
ونحن في رحاب الذكرى الواحدة والتسعين لميلاد حزب السنديانة الحمراء، حزب فرج الله الحلو ونقولا الشاوي وجورج حاوي وحسين مروة ومهدي العامل، وابطال المقاومة الوطنية، وشهداء التحرر الوطني، ومعارك الدفاع عن الخبز والعمل والديمقراطية، نؤكد ان هذه الذكرى المجيدة، والعزيزة على قلوب الشيوعيين والوطنيين في منطقتنا والعالم، هي تأكيد على نضال الحزب المتواصل والمتفاني والمتعدد الاوجه، رغم المحن والشدائد والصعوبات الجمة، في سبيل انتصار مشروعه الديمقراطي الثوري للوصول الى تحقيق الديمقراطية ، واعلاء شأن المواطنة وقيمها، وتحقيق الحياة الحرة الكريمة.
اليوم وفي هذه المناسبة، لا بدّ من استعادة الذاكرة التاريخية والوطنية، لنضال ألوف الشيوعيين، في عشرات المحطات على هذه الطريق الطويلة، فكان الحزب من مؤسس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية الذي اخذت مكانتها العالية والمميزة بعد الصوت المدوي الذي اطلقه فرسان الحركة الوطنية اللبنانية وفي مقدمتهم القائد الشهيد جورج حاوي باعتبار الجبهة العين التي تقاوم المخرز، حيث قدم الحزب الشيوعي نهرُ من الدماء الذكية في ساحات المواجهة والتصدي للاحتلال الصهيوني ، حيث صنعوا ابطاله وشهدائه وأسراه ومعتقليه علامة فارقة وشعلة مضيئة في عتمة الليل العربي. وأسقط المناضلون الشرفاء أهداف الاجتياح، وكان تحرير بيروت والجبل وصيدا وسائر أنحاء الجنوب والبقاع الغربي مع ابطال المقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية، حيث زلزلت الأرضَ تحت أقدام الغزاة وكان التحرير عام 2000 علامة نموذجية في التاريخ العربي ، ونصر تموز عام 2006 الذي افشل مشروع في ولادة مشروع شرق أوسط أميركي جديد.
وعلى هذه الارضية نؤكد ان الذكرى الواحدة والتسعون في ظروف محلية وعربية وإقليمية ودولية معقدة، في وقت تتعرض فيه المنطقة لهجمة امبرالية صهيونية رجعية ارهابية ، بهدف تقسيم المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية تكون في خدمة المشرع الصهيوني ، مما يتطلبً إلى ضرورة اتخاذ موقف عملي من الهجمة الاستعمارية التي تغذي الإرهاب عموما الذي يرتكب الجرائم التي يندى لها الجبين الإنساني والعمل على استئصال الإرهاب من جذوره وتوحيد جهود مواجهته ووقف مصادر دعمه وتمويله، وهذا يستدعي فتح أوسع حوار بين أجنحة اليسار العربي ، لإعادة تحليل وتركيب كافة القضايا التي تواجه واقعنا العربي ، من أجل نهوض حركة اليسار العربي مجدداً ،ومن جهة أخرى تقتضي الأزمة المستعصية في الواقع العربي عموماً فتح باب الحوار أيضاً بين مختلف التيارات والحركات الفاعلة على اختلاف مشاربها الفكرية والأيديولوجية رغم الاختلاف على المستوى الإيديولوجي والتنسيق مع التيار الإسلامي المقاوم للمشروع الإمبريالي الصهيوني الرجعي .
لقد اكد الحزب الشيوعي البناني في احتفاله بذكرى تأسيسه على توجيه التحية لشباب فلسطين الثائر ولمقاومته الباسلة ، ولفت الى طبيعة هذه الأخطار المحدقة بقضية فلسطين ، داعيا كافة القوى اليسارية العربية والعالمية الى دعم صمود الشعب الفلسطيني ونضاله وانتفاضته حتى استعادة كامل فلسطين واقامة الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس .
من هنا لا يمكن ان ننسى الدور الطليعي للحزب الشيوعي اللبناني، الى جانب الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فنأمل ان تشكل ذكرى تأسيس الحزب مطالبة كافة القوى اليسارية العربية والعالمية بضرورة تقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني في هبته وانتفاضته المستمرة على ارض فلسطين ، ومطالبتهم أيضاً باتخاذ إجراءات قاسية ضد الكيان الصهيوني، وأن نرفع دولياً وأممياً شعار معركتنا ضد النازية الصهيونية الجديدة، هي معركة كافة القوى التقدمية والديمقراطية، تماما كما كانت معركتها ضد النازية القديمة، لان دم شهداء فلسطين تفرض على كافة الاحزاب والقوى العربية واحرار العالم أن تفكر بمسؤولية وجدية، وتستنفر كل طاقاتها وإمكانياتهاوسد كل فجوة ما بين القول والممارسة.
في هذه اللحظات نقول ان مناسبة تاسيس الحزب الشيوعي اللبناني مناسبة عظيمة تستحق الاهتمام الجدي ، لهذا نقول ان اللون الأحمر شكل المطالبة باطلاق اسرى الحرية، وفي مقدمتهم القادة القائد احمد سعدات ومروان البرغوثي ورفاقهم واخوانهم الاسرى والاسيرات، ونحن نكتب في القلم، تبقون أنتم، كما أنتم، كما رسمتم طريق الكفاح من اجل حرية فلسطين، وحيث ينبت الدم وردٍ بمواجهة العدو، ولن ننسى من صُنع في الوديان ثورة الرئيس الشهيد ياسر عرفات والقادة العظام ابو العباس وجورج حبش وابو علي مصطفى وطلعت يعقوب وابو احمد حلب والنجاب وغوشه وكل شهداء فلسطين والامة العربية، كما صنعوا مسيرة نضال ومقاومة مع الشهيد القائد جورج حاوي ورفاقه في الحقول وفي الجبال، لتنبت نكهة في هذه الأرض، من لونها، الأحمر، من لون الأرض، وها هو حزب الشهداء والكادحين يستكمل مشواره النضالي المتواصل منذ بدء القرن العشرين وحتى اليوم، حيث تمكن من المزاوجة والجمع ما بين النضال المحلى من اجل الطبقات الفقيرة والكادحة وضد النظام الطائفي الذي لا مكان فيه لعدالة اجتماعية او تنمية وبين النضال الاممي ضد سياسات العولمة والنهب الامبريالي والتي تؤكد الاحداث الطبيعية الفعلية لسياسات النهب الاستعماري الامبريالي ، ناهيك عن دوره المشهود في تاسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وحمل راية التصدي للاجتياح الاسرائيلي للبنان ومواصلته حمل هذه الراية النضال على مساحة الوطن العربي.
ختاما : لا بد من القول أحر التهاني على هذه المناسبة لحزب الراية الحمراء الحزب الشيوعي اللبناني ، وحقّ لنا ان نفتخر مع رفاقه بما قدمه من تضحيات على مدار واحد و تسعين عاما من النضال ، على طريق تحقيق طموحات شعوبنا في الحرية والعدالة الاجتماعية والغاء كل مظاهر الاستعباد والاستعمار والاحتلال.

بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي