كنت اراجع مع ابني الصغير مادة الفقة ضمن منهاج الصف الخامس الإبتدائي، استوقفني سؤال يتعلق بما عليك فعله إن إلتقيت بعامل كافر في المكان الذي تقيم فيه يرغب في دخول الاسلام وأنت لا تعرف لغته؟، قبل أن أكمل الجملة سارع الصغير بالقول نرسله إلى مكتب الدعوة والارشاد لتوعية الجاليات، سألته وأين يقع هذا المكتب إعتقاداً مني أنه ضمن دوائر وزارة الأوقاف، لكن إجابته أدخلتني في متاهة لم أكن أتوقعها حين قال في السعودية.
أغلقت الكتاب قليلاً كي أفتح معه حواراً خارج النص المكتوب، هل سنطلب منه أن يتمهل في دخول الاسلام حتى يصل إلى هناك؟، وكيف يمكن له أن يصل إلى هناك في ظل إغلاق المعبر خاصة وأن رغبته في السفر تلك لا تسجل ضمن الحالات الإنسانية المسموح لها بالمغادرة؟، وهل يحتاج الإنسان إلى وسيط مع ربه أم أن بإستطاعته أن ينطق بالشهادتين في فلسطين أو خارجها دون تكليفه عناء السفر؟، وماذا لو نطق بالشهادين وراح يتعلم العبادات وينهل من علوم الدين الاسلامي هل يعتبر اسلامه منقوصاً؟.
يبدو أن الطفل ضاق ذرعا من الأسئلة، تناول الكتاب وأعاد فتحه من جديد على الصفحة التي تؤكد على صحة ما قاله مسترشداً بالصورة التي تقع على يسارها لمكتب يعلوه يافطة "مكتب التعبئة والإرشاد لتوعية الجاليات"، كأنه أراد بذلك أن يضع خاتمة للحوار لا تقبل التأويل والإجتهاد، حاولت أن أعدل قليلاً من الاجابة استناداً على الواقع دون جدوى، هو لا يريد أن يخرج عن النص المكتوب ولا يرغب في أن يخرجه اجتهاد ابيه، استسلمت لرغبة الطفل لإيماني بأن التعليم لدينا يبنى على قاعدة الإجابة النموذجية، فلا حاجة للطالب أن يهضم المعرفة بقدر ما عليه أن يسطر على ورقة الامتحان الاجابة النموذجية، ماذا لو اجتهد الطفل وأجاب عن سؤال العامل الكافر بطريقة مغايرة لا تمت بصلة إلى مكتب التوعية والإرشاد، هل سيحظى بالعلامة المطلوبة؟.
الأمر لا يتعلق فقط بنص مكتوب يتناقض مع الواقع، بل في اسلوب التلقين الذي نسير على منهاجه في عمليتنا التعليمية، لا نريد لعقل الطالب أن يعمل ويجتهد ويناقش، فقط نريد منه أن يطبعها في عقله اسوة بعملية النسخ واللصق، تغير العالم وطلق بالثلاثة اسلوب التلقين منذ عدة عقود، وما زلنا نحن نعيش في كنفه كأنه قدر لا يجوز لنا التحلل منه، مما لا شك فيه أننا في أزمة مع الأجيال القادمة ستطفو على السطح عما قريب بأشكالها المختلفة، الأزمة أن تقنية الاتصالات ومساحة التواصل الاجتماعي الرحبة وفرت لهم مساحة واسعة من المعرفة، المعرفة المبنية على النقاش والاجتهاد وحرية الرأي، وأخذت تلوح في الأفق انعكاساتها على الجيل الشاب بتمرده على واقعه.
إن حاولنا أن نحاصر طلابنا بذات القواعد التي نعمل وفقاً لها والتي تعتمد على تحويل الطالب إلى وعاء نضخ فيه ما نشاء من معلومات ونحجب عنه ما نشاء، ونطلب منه أن يفرغ ما في وعائه يوم الامتحان، دون أن نسمح له بأن يختلف معنا لأن في الاختلاف بين الطالب والمدرس ما يمكن له أن يشوه قدسية العلاقة بينهما، إن واصلنا فعل ذلك سنجد أنفسنا عاجلاً أم آجلاً أمام جيل تجاوز بكثير اسلوب الاجابة النموذجية.
بقلم/ أسامه الفرا