ممّا لا شكّ فيه أنّ الهبّة الشعبيّة الفلسطينيّة، فاجأت الجميع ، بتوقيتها ، حيث اعادت عقارب الساعة الى الوراء الى الانتفاضة الاولى ، من خلال ما نراه من مواجهات للاحتلال وقطعان مستوطنيه ، فسلاح الهبة الشعبية او الانتفاضة الباسلة هو الحجر والدهس و السكين الفلسطينيّة ، وخاصة مشاركة الشابات المرأة الفلسطينية الى جانب الشباب بقوة في الانتفاضة في شوارع المدن والقرى والمخيمات، ومن كل الفئات العمرية، حيث يلقين الحجارة على جنود الاحتلال، ويقمن الحواجز على الطرق ويرفعن الأعلام الفلسطينية وتلثّمن بالكــوفية الفلســطينية ويرشقن جنود الاحتلال بالحجــارة، ويحرقن الإطارات، كما يحمين بأجسادهن المتظاهرين من الاعتقال ، هنّ في الغالب شابات يردن عودة قضيتهن الأولى "فلسطين" المشطوبة من ذاكرة العرب.
وامام كل ذلك فأن استمرار انتفاضة شباب وشابات فلسطين و المواجهات العنيفة، من خلال استعمال أشكال المقاومة الشعبية، و اتساع حجم مقاومة الشعب، حيث تسجل الفتيات الفلسطينيات حضوراً لافتاً ومؤثراً في الهبّة الشعبية حيث تشكل مشاركة الفتيات في الهبّة الشعبية الدائرة حالياً في فلسطين امتداداً لمسيرة النضال النسائي الفلسطيني من خلال الثائرات بحس وطني عالٍ بدا واضحاً في قوتهن وصــمودهن، وهنا نقول بأن هذه الهبة ستفتح التاريخ بصفحاته النضالية ليسجل يوميات "انتفاضة ثالثة" تدق الأبواب، ، من خلال الحجر والسكين والمقلاع والدهس ، انتفاضة لا تشبه سابقتيها، يفوح منها عطر الفتيات الشابات المزينات بخضاب الدم، يداً بيد إلى جانب شبابها، هو وعد الأرض، وعندما تعد الأرض يلبى أبناؤها، تملؤهم الحماسة ويفاجئونها بقصص بطولية تفوق الخيال تسطر بدمائهم الذكية.
فلسطين تكتب التاريخ ، لمن لا يعرفها، أرض فتية عصية على الرضوخ، مقبرة للمحتل، هى عبق التاريخ الطويل من التضحيات والمقاومة، دماء أبنائها عرق الأرض وملحها، يخبو لهيبها إلى حين، ثم يعاود الاشتعال، وقودها جيل جديد من الشباب الفلسطينى اليافع، الذى فجر الهبة الشعبية المتواصلة لشعوره باليأس من طريق الحل السياسى، والإحباط الشديد من مفاوضات عقيمة، فكان لا بد من أخذ زمام الأمور بأيدي الشباب والشابات متجاهلين كل دعوات التهدئة،هذا هو الطريق الوحيد للرد على الاحتلال وقطعان مستوطنيه، هذا هو الطريق الوحيد لتحرير الارض والانسان.
ان معاناة شعب فلسطين، الذي ذاق مرارة القتل والحصار والتهجير المستمر من بلداته وقراه وسلب أراضيه وحريته ومقدراته، ولم يعد يخشى اي شيئ، ولكن يتطلع الى ضرورة انهاء الانقسام فى البيت الفلسطينى، لانها تشكل تحدياً كبيراً للجميع، رغم ان انتفاضة الشعب الفلسطيني وقودها الشباب من القدس مرورا بكافة انحاء الضفة وصولا الى غزة ،يجد نفسه مهدداً فى ماضيه وحاضره ومستقبله مما يتطلب من الجميع التفاف حول هبته الشعبية ودعم صمودها من خلال وحدة وطنية حقيقية ورسن استراتيجية وطنية وكفاحية تدعم نضاله للوصول الى ما يتمناه من اجل حرية فلسطين.
لذلك نرى ان أكثر ما يميز هذه الهبة الشعبية أو "الانتفاضة" هو الوجود المكثف للمرأة والشابات الفلسطينيات، فقد اختلفت أدوارهن كثيراً عن أدوارهن فى الانتفاضتين الأولى والثانية التى لعب فيها الرجال دوراً أساسياً فى التظاهرات والمواجهات العنيفة، بعضهن ملثمات يتشحن بالكوفية الفلسطينية، وبعضهن يرتدين ملابس عصرية، وبعضهن يرتدين لباساً طويلاً، هؤلاء هن طالبات الجامعات، وجيل المستقبل، نساء قويات الإرادة، غير مستعدات لترك منصة الانتفاضة الشعبية ليعتليها الشباب فقط كما كان فى الماضى، خرجن لنقاط التماس، ويواجهن قوات الاحتلال وقطعان مستوطنيه ويلقين الحجارة دون خوف أو تردد، ليؤكدن بأنه انتهى عصر جلوس النساء فى المنزل، هذه الأيام تثبت أنهن قادرات على فعل ما يفعله الرجال.
نحن إذن أمام عملية استعادة لأصل الصراع ، لكن لا ينبغي علينا استسهال الأمر ، فهي ليست عملية ارتجالية ولا ميدانا للمزايدات ، انها تحدي المستقبل الذي يفرض علينا تفعيل وتطوير الهبة الشعبية والكفاحية ضد الاحتلال في الضفة الغربية ساحة الصراع السياسي الرئيسية اليوم بصورة منهجية وهادفة ، ستضمن بالضرورة استقطاب قطاعات واسعة من الجماهير في الداخل والخارج ، بما يضمن تحقيق البعد الثوري لاساليب النضال السياسية والكفاحية ، والالتحام بالجماهير ، بمثل ما تحتاج إلى أدوات نضالية جديدة ، لهذا نجد بأن المرأة أسهمت في ظل الهبة الشعبية بصورة واضحة من خلال مسيرتها باعتبارها شريكة الرجل في الكفاح والمقاومة من أجل تحرير أرضها ومجتمعها من الاحتلال وتحقيق الحرية الاستقلال والعودة .
ومن هنا نؤكد بأن شابات فلسطين وفتياتها وصلن إلى قمة المشاركة في النضال الوطني، ووقوفها من جديد بجوار الرجل جنبا إلى جنب في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ولعل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كانت كفيلة بأن تنقل صور الفتيات الملثمات في مواجهة قوات الاحتلال؛ وهن يرشقن الجنود بالحجارة دون خوف، حتى لو كان الثمن حياتهن، ولعل من أشهر الفلسطينيات التي تحولت إلى رمز وقدوة في هذه الانتفاضة هي الطالبة داليا نصار، التي أصابها جنود الاحتلال برصاصة في الصدر، وأصبح إخراج الرصاصة يمثل خطرًا على حياتها، وهي الآن تعيش وداخلها رصاصة، وما زالت الانتفاضة في فلسطين مستمرة حتى الآن، ومستمرة معها المرأة الفلسطينية في نضالها بجانب الرجل من أجل الدفاع عن الوطن واستقلال فلسطين.
وفي ظل هذه الظروف نقول ان خروج المرأة الفلسطينية للشارع من أجل المشاركة في الاعتصامات والمظاهرات ومقاومتها لقوات الاحتلال، وتقديمها لفلذات أكبادها من أجل تحرير الوطن، بجانب دورها في توعية المرأة الفلسطينية بأهمية دورها في المشاركة في الانتفاضة، يؤكدا على التكامل في المجتمع الفلسطيني وحالة النضج والتفاعل، فكان الدور البطولي لفتيات الانتفاضة الباسلة ، وهذا يعيدنا إلى التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني وثورته الجبارة بل كانت منذ أن تعرض الشعب الفلسطيني للاحتلال تمارس دورها جنباً إلى جنب مع الرجل في كل موقع وزمان ورسمت دورها بفروعه وإصرار وأبدعت في الأداء والصفاء لفلسطين القضية والأرض والإنسان.
ان نضال شابات فلسطين في الانتفاضة المستمرة يشكل دفعة قوية ولتثبت للعالم أن كل الفلسطينيات يصنعان بصورتهن البطولية أمام جميع عدسات التلفزيون ولتظهر في كل بيت في العالم على حقيقتها البطولية وليشهد العالم بدورها الانساني أيضاً،على عظمة الشابة الفلسطينية باعتباره أحد العوامل الفاعلة والأساسية لاستمرار الانتفاضة وهي تحمل راية العزة والنصر.
وها هي المرأة الفلسطينية في الانتفاضة تخرج للشارع لتشارك في الاعتصامات والمظاهرات وتصطدم مع قوات الاحتلال متحدية الغازات السامة والدبابات والرصاص وتقدم فلذات أكبادها والأجنة في بطونها شهداء على درب الاستقلال والنصر جراء استنشاق الغازات السامة أو الاستشهاد أو الضرب على أيدي جنود الاحتلال ، وتقول للعالم أن الجنين الفلسطيني يسابق جميع الأحياء إلى الشهادة من أجل أن تحيا فلسطين ومن أجل دولة فلسطين المستقلة التي ولدت جنين البطولة والنداء من الصمود والايمان بعدالة قضية فلسطين وحتمية انتصارها.
ختاما : ها هي الشابة الفلسطينية تشكل نموذجا في الانتفاضة وتقدم نفسها شهيدة على درب الحرية والاستقلال والنصر ،وهنا لا بد من توجية التحية لشابات فلسطين وشبابها المنتفضين الذين حملوا لواء النضال والإستشهاد أيضا، ونحن نقف بكل احترام امام دور الشباب الفلسطينيات اللاتي يواجهن الإحتلال بالقلم والحجارة والسكين والمقلاع وزجاجات المولوتوف من أجل الحرية والإستقلال والعودة .
بقلم/ عباس الجمعة