الرياضة وطن تتجلى فيه روح الانتماء والعطاء والوفاء، والرياضة فروسية تتجلى فيها روح التضحية والفداء، فحين يتقدم الفارس جيش بلاده، ويتحدى أعداءه، ويطلبهم للنزال، فإنه يفتدي بروحه أبناء جلدته، فيقاتل بكل عنفوان لتحقيق النصر، لذلك اعتمدت الجيوش منذ القدم أسلوب النزال والمبارزة كشكل من أشكال الحرب النفسية التي تشنها على الآخر، وكإحدى تعبيرات الاستعداد للمواجهة.
فهل إلحاح الفلسطينيين على عقد مباراة كرة القدم مع الفريق السعودي على أرض الضفة الغربية فيه تحدٍ للإسرائيليين، وفيه انتصار للهوية الفلسطينية، أم أن في قدوم الوفود الرياضية العربية إلى أرض الضفة الغربية المحتلة اعتراف بإسرائيل، وبداية للتطبيع معها، ومد جسور التواصل بين عدو لما يزل يحتل الأرض، وبين أمة عربية وإسلامية ترفض هذا الاحتلال؟
والسؤال الأهم: هل ارض الضفة الغربية قد أضحت محررة، أم ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي؟
وإذا كان الإسرائيليون هم أقسى وأجرم أعداء الفلسطينيين، فإن أي نصر يحققه الإسرائيليون ولو كان في مجال تطبيع العلاقات مع العرب والمسلمين هو هزيمة للفلسطينيين، حتى ولو ادعى الفلسطينيون أنهم حققوا نصراً كروياً.
لقد مثل موقف الاتحاد السعودي لكرة القدم قمة الانتماء لقضايا الأمة العربية والإسلامية، برفضه التوجه الى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وملاقاة المنتخب الفلسطيني، واعتبر اللقاء تحت علم إسرائيل يمثل شكلاً من اشكال التطبيع مع الاحتلال، وهذا ما أكدت عليه دولة ماليزيا التي رفضت التطبيع أيضاً مع الإسرائيليين، وتقدمت بأكثر من طلب بنقل مباراتها مع الفلسطينيين إلى مكان بعيد عن الراية الإسرائيلية التي تغتصب سماء فلسطين.
الصراع الأخير على مكان عقد المباراة بين السعودية وفلسطين يؤكد على استحالة الفصل بين السياسة والرياضة، لذلك فإنني أقدر أن الانجاز السياسي الذي تحقق للفلسطينيين بنقل مباراة المنتخب الفلسطيني مع المنتخب السعودي إلى أرض محايدة يعتبر أهم بكثير من الانجاز الكروي الذي كان سيتحقق للشعب الفلسطيني في حالة إقامة المباراة على ملعب الشهيد فيصل الحسيني في الضفة الغربية.
وإذا صحت المعلومات التي تقول بأن الحكومة الفلسطينية هي التي أبلغت ممثل "الفيفا" بعدم قدرتها على توفير الاجراءات الامنية اللازمة لإجراء المباراة في ضوء الاوضاع السائدة، وأن "الفيفا" استجابت لتقرير موفدها الامني الذي أوصى بنقل المباراة بعد أن تفقد ملعب فيصل الحسيني، وبعد أن تفقد الفنادق والمرافق والمواصلات في الاراضي الفلسطينية في ضوء الاوضاع التي تعيشها فلسطين.
إذا صحت المعلومات السابقة عن أسباب نقل المبارة إلى خارج الأراضي المحتلة، فإن ذلك يمثل منقصة في حق الحكومة الفلسطينية، التي لم تبرز اعتراضها على فكرة التطبيع مع العدو الإسرائيلي، بمقدار ما أظهرت الحرص على سلامة الإجراءات الإدارية .
على الحكومة الفلسطينية الاعتراف بالواقع اللئيم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وعلى الجنرال جبريل الرجوب أن يعترف قبل الآخرين بأن لا سيادة فلسطينية على الأرض، وأن زعمه بأن الملعب البيتي حق وطني، وأنه أحد رموز السيادة الوطنية الفلسطينية، هو كلام عارٍ عن الصحة، ولا يلامس الواقع الذي يفضح مسرحية الاستقلال والدولة والسيادة والعلم والبساط الأحمر والمسميات الرئاسية والوزارية التي تحاكي الوهم الذي غرقت فيه القضية الفلسطينية.
ملاحظة: ما ينطبق على مباراة كرة القدم مع الفريق السعودي ينطبق على مدينة القدس، التي يدعو السيد محمود عباس الأمة العربية والإسلامية إلى زيارتها، متجاهلاً وجودها تحت الاحتلال الإسرائيلي، ومتجاهلاً انعدام السيادة الفلسطينية على شبر من أرضها.
د. فايز أبو شمالة