الانتفاضة الشعبية الفلسطينية تقفل شهرها الأول ، على أكثر من سبعين شهيداً وآلاف من الجرحى والمعتقلين والمطاردين من أبنائها، لا شيء يوحي أو يُظهر أنّ هناك تراجعاً أو انسحاباً من قبل شبانها وفتيانها الذين يملأون ساحات البلدات والمخيمات في الضفة والقدس وتخوم القطاع المحاصر ، وهم يرابطون في أكثر من 500 نقطة اشتباك ومواجهة مع قوات الاحتلال " الإسرائيلي " وقطعان المستوطنين .
وإذا كانت الأسئلة والتساؤلات والتكهّنات لا تزال تلاحق الانتفاضة رغم مرور شهر على اندلاع شرارتها ، فإنّ الأسئلة والتساؤلات أيضاً تصيب بسهامها الفصائل ، وتقف في طليعة هذه الأسئلة ، لماذا لا تزال هي بعيدة عن مواكبة الانتفاضة واحتضانها وحمايتها ، وتشكيل الرافعة الوطنية لها ؟ بغضّ النظر عن إقرارنا بمشروعية هذه الأسئلة أو التساؤلات ، ولكن وإنْ هي تبدو بعيدة ، أيّ الفصائل ، إلاّ أنّ حقيقة الأمر أنها قريبة بل وفي بعض عملها لصيقة ، وإنْ هي غير موحدة بالمطلق على غرار الانتفاضتين السابقتين ، ولا أعتقد أنّ قيادة وطنية موحدة ستجد طريقها إلى نور التشكيل قريباً، وهذا لا يعني أن لا وجود للجان متابعة ميدانية تعمل ، وإنْ من دون ترسيم رسمي أو ما شابه .
وعلى وقع كثرة تلك الأسئلة عن دور الفصائل ، نجحت الانتفاضة في تحريك المشهد الفصائلي لتشهد مؤخراً العاصمة اللبنانية بيروت زحمة غير معهودة منذ سنوات إنْ لم نقل منذ أكثر من عقد من الزمن لحركة اجتماعات نشطة للقيادات الفلسطينية ، امتدّت لعدة أيام ، واتسعت مروحتها لتشمل كافة الفصائل ، وعلى جدول أعمالها الانتفاضة ، والمصالحة وترتيب البيت الفلسطيني ، وعقد المجلس الوطني، والمخيمات في لبنان . وقد أجمعت الفصائل على ضرورة استمرار الانتفاضة أو الهبّة ـ حسب ما رغب البعض في توصيفها مجاراة لخاطر البعض – وعدم تثميرها في غير سياقاتها الوطنية ، حيث الحقوق الوطنية الغير منقوصة ناظمها وثابتها ، وبالتالي عدم استعجال ورفض عسكرتها من دون أن يعني ذلك تخلياً عن الكفاح الشعبي المسلح، بما يستلزم العمل على الإحاطة بالشهداء والجرحى وأصحاب المنازل التي دمّرها الاحتلال ، وإبقاء العلم الفلسطيني الراية الوطنية التي يستظلّ تحتها الجميع في كافة أنشطة وفعاليات الانتفاضة .
وفي السياق برزت عند الجميع الرغبة بضرورة عقد مؤتمر أو لقاء موسع يضمّ جميع الفصائل والنخب من الوطن والشتات والمغتربات ، وهو اقتراح لاقى استحسان الجميع ، ويؤمل الإسراع في التحضير له وعقده في القريب العاجل .
المصالحة عنوان من عناوين اللقاءات ومحورها ، فالجميع أكد أنها تمثل في هذه المرحلة ضرورة وطنية ملحة في ظلّ الانتفاضة ، لأنّ وحدة الرؤية والموقف هما من دعائم استمرارها وتطورها ، وعلى طرفي الانقسام التوجه مباشرة من أجل إنهائه ، وليس من المقبول أن تبقى الساحة الفلسطينية يطبعها الانقسام البغيض . هذا الموضوع ليس من الواضح تجاوزه بسبب أنّ حماس وفتح ليستا على استعداد لأن تتنازلا أو أن تدوّرا الزوايا لبعضهما البعض ، وكلاهما يلقي باللائمة على الآخر ، والشيطان يكمن في تفاصيل لقاءاتهما وما يصدر عنهما من بيانات مشتركة عنوانها العريض " اتفقنا على استئناف المصالحة " ، ليخرج في اليوم التالي موقف حادّ لأحدهما يقول فيه " كفوا عن بيع الوهم لشعبنا " ، ومندّداً بما يتعرّض له نشطاؤه على يد الأجهزة . والمصالحة وانتظام اجتماعات الإطار القيادي الموقت يمثلان وفق القيادات الفلسطينية المدخل إلى ترتيب البيت الفلسطيني ، في ظلّ الدعوات إلى عقد المجلس الوطني آواخر العام الحالي ، هذا المجلس الذي فقد شرعيته الدستورية له كغيره من المؤسسات الوطنية الأخرى . وإذا كانت الفكرة أو الهدف من عقد المجلس هو التمديد لشرعية مفقودة بحكم النظام الداخلي واللوائح الداخلية للمجلس ، فالأفضل أن نذهب إلى مجلس وطني جديد في ظلّ أنّ ما عدد المتوفين من أعضائه بلغ 140 عضواً من الفصائل والمستقلين والمنظمات والاتحادات الشعبية ، وفي ظلّ استمرار الانقسام لا يجوز عقد المجلس لأنّ الشرخ سيزداد ، وإذا كان لا بدّ من ذلك في ظلّ كلام الأخ أبو مازن عن العمر يمرّ ومن يضمن حياته إذا ما رغبنا في تشكيل مجلس وطني جديد . ليتقدّم الاقتراح المخرج ، وهو بالتأكيد بحاجة إلى نقاشات ومداولات بين الفصائل ، ومفاده أن يعقد المجلس للمرة الأخيرة ، ولكن بعد القيام بعملية الترميم مكان الأعضاء المتوفين، وانعقاد الإطار القيادي الموقت، وبما يضمن دخول حماس والجهاد وجميع الفصائل من دون استثناء للمشاركة في أعمال المجلس . هذا الاقتراح وإنْ وجد آذاناً صاغية ، ولكن ليس بالضرورة أن يجد إرادة تستجيب بعد إدخال ما يلزم من التعديلات على الاقتراح .
أما في خصوص المخيمات فقد أكد الجميع في لقاءاتهم على تحييد المخيمات ، والمحافظة عليها وحمايتها وتعزيز صمودها ، والتأكيد على تجربة العمل الوحدوي للفصائل الوطنية منها والإسلامية . على أن يولى مخيم عين الحلوة الأهمية الاستثنائية في جهود وعمل الفصائل والقوى الأمنية ، والحرص على علاقات إيجابية مع الدولة اللبنانية ومرجعياتها العسكرية والأمنية ، وإيلاء مسألة متابعة واستكمال مخيم نهر البارد أيضاً الأولوية من خلال دفع الانروا للإيفاء بالتزاماتها وتعهداتها إلى جانب الدولة اللبنانية في إعمار المخيم وإغاثة أهله .
هذه الاجتماعات إنْ كانت ثنائية أو ثلاثية أو ما يشبه الجماعية ، هي ممتازة لأنها أتت في لحظة الانتفاضة ، وهي ممتازة أيضاً لما سمعته من كلام مسؤول وكبير يُفترض أن يكون بحجم الألم والجوع الفلسطيني أينما كان وحلّ ، حيث الانتفاضة الثالثة قد اندلعت ، وعلى وقعها تحركت الفصائل لتطرح على نفسها سؤال ما العمل ؟ ولكن مع هذه المشهدية الإيجابية التي أعطت دفعة جديدة من المعنويات في الجسد الفصائلي المترهل ، من حقنا أن نخاف ومن حق شعبنا أن يخاف حدّ الفزع ، أن تمثل تلك الاجتماعات واللقاءات حلقة من حلقات ديبلوماسية العلاقات العامة التي أصبح البعض يجيدها . وما يزيد من خوفي هذه الحميمية والمجاملة والكلام الدافئ والذي لا يخلو في بعض من جوانبه حدّ التغزل والتودّد والإطراء . وحتى لا تبقى هذه اللقاءات ثرثرة على ضفاف الفصائل ، المطلوب الترجمات والأفعال لما تمّ الاتفاق والتوافق حوله وتحديداً الانتفاضة .
بقلم/ رامز مصطفى