يتسابق بعض الإعلاميين الفلسطينيين والعرب، للوقوع في مستنقع التزوير الإعلامي الصهيوني، والمحظور التعامل معه، بقصد أو بدون، بجهل أو بدونه، أو محاولة استغلال الأحداث وتضخيمها بهدف الإثارة ... فهبة شعبنا السلمية في القدس، والضفة الغربية وفي أراضي 48 وقطاع غزة، جاءت تعبيرا عن رفض شعبنا الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي، وتصديا لممارسات المستوطنين الإرهابية، ودفاعا عن الأرض الفلسطينية والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وتمسكا بمدينة القدس الشرقية العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، ومواجهة الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى، ومنع حكومة اليمين المتطرف، حكومة المستوطنين برئاسة نيتينياهو لفرض الأمر الواقع للتقسيم ألزماني والمكاني للمسجد الأقصى. إن هذه الحكومة هي راعية للإرهاب، وقاتلة لعملية السلام، ومتنكرة للحقوق الوطنية الفلسطينية، وتتهرب من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بدعم أمريكي والغرب الاستعماري، ويمارس جنودها ومستوطنوها وضباطها وأجهزتها الاستخبارية، ووزرائها وأعضاء كنيستها، وإعلامها الإعدامات اليومية بدم بارد بحق شبابنا ونسائنا. .
ومع إرهاصات الهبة الشعبية الباسلة، ضد الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الإرهابية، فقد اكتسبت زخما بمشاركة الجماهير الفلسطينية، وعمت المظاهرات والاحتجاجات في كل حارة وشارع وقرية ومدينة، متسلحين بالأعلام الفلسطينية، رمزا للهوية الوطنية، وتأكيدا على سلميتها، وسارع الشباب المنتفض، باستخدام ما تيسر لهم من وسائل وأدوات بسيطة، بما فيها الحجارة وإشعال إطارات الكاوتشوك، والتصدي بالأيادي والأجسام العارية للجنود والمستوطنين، والعمل على حماية أرضهم عبر تشكيل لجان الحراسة للقرى والمدن الفلسطينية لمنع غلاة المستوطنين من ممارسة حقدهم الإجرامي وزعرنتهم اليومية، خصوصا في موسم قطف الزيتون ثمرة الخلود للشعب والفلاح الفلسطيني. وردا على تصاعد همجية وجرائم جنود الاحتلال والمستوطنين ضد المظاهرات والفعاليات الجماهيرية السلمية، وسقوط العشرات من الشهداء والجرحى والإصابات الجسدية، بما فيهم أطفال لم يبلغ عمر البعض العشر سنوات، وارتفاع أعداد المعتقلين المستمر، فقد ساهمت هذه الممارسات الإرهابية والعنصرية في تعميق الحقد على المحتلين وجرائمهم، والتمرد على الانتهاكات اليومية، مما دفع بعض الشبان، لاستخدام السكاكين وعمليات الدهس كوسيلة للتعبير عن استعدادهم للشهادة دفاعا عن مدينة القدس والمسجد الأقصى، والأرض الفلسطينية، ولا يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية التي تجيز مقاومة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة والمتاحة.
ومن اللحظة الأولى للهبة الشعبية الفلسطينية، سارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية عبر قنواتها الفضائية المختلفة، وصحفها اليومية بالتحريض على القيادة الفلسطينية، وتحميلها المسئولية عن تأجيج الواقع، وتحويله إلى صراع ديني، لنفي التهم الموجهة لحكومة اليمين المتطرف حكومة نتينياهو العنصرية، وتبرير ممارساتها غير الإنسانية، ومسئوليتها عن تفجير الأوضاع في محاولة لاسترجاع عطف الرأي العام الدولي الذي فقدته جراء سياستها العدوانية، وعزلتها الدولية، والتضامن الدولي مع شعبنا الفلسطيني، بالإضافة لتحريض زعماء المستوطنين على قتل الشبان أمام الحواجز العسكرية، واستغلال بعض الوقائع لعملية طعن أو دهس بعض الجنود والمستوطنين، لتبرئة جنود الاحتلال من إطلاق الرصاص الحي والمطاطي العمد بقصد القتل، والإعدام الميداني بلا ضمير ولا أحساس، بحجة طعن الجنود أو المستوطنين. إن محاولة بعض الفضائيات الفلسطينية والعربية، التماهي مع ما تنقله وسائل الإعلام العبرية، وتصريحات الناطقين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين، توحي وكأن عملية إطلاق النيران على الشباب جاءت للدفاع عن النفس بسبب الطعن أو الدهس، وتحويل المجرم إلى ضحية، مما يؤدي إلى تشويه النضال الفلسطيني، ويمنح جنود الاحتلال رخصة إطلاق النار على المتظاهرين، ويعطي انطباعا للعالم بأن الجندي والمستوطن الإسرائيلي يضطر لإطلاق النار تحت هذه الذريعة والحجة. لن تنجح محاولات الاحتلال في طمس الحقيقة، وخصوصا بعد تصاعد تحريض جنود الاحتلال عبر مواقع التواصل الاجتماعي على قتل العرب. كل الدلائل تؤكد أن الأكثرية الساحقة من شهداء الهبة الجماهيرية لم تكن تحمل سكينا أو ما شابه، وهذا ما أظهرته بعض الصور حتى في القنوات الفضائية للاحتلال، ومواقع التواصل الاجتماعي التي رصدت عملية القتل دون سبب مما تفضح وتكذب الرواية الإسرائيلية، وتدين الإعلام الإسرائيلي بعملية التضليل، ولن ينجح تصريح بارك أوباما في إخفاء الحقيقة، وتبريره لعملية القتل بحجة دفاع جنود الاحتلال عن النفس، إن الإعلام الفلسطيني والعربي الذي يتبنى الرواية الإسرائيلية كمعلومات مسلمة بها، تعكس تدني مستوى البحث عن الحقيقة، وهي محاولة تصب في خانة تشويه النضال الفلسطيني، وتبرئة القتلة أمام التاريخ والمحاكم الدولية كمجرمي حرب، ومعادين للقانون الدولي والإنساني. .
طلعت الصفدي
غزة – فلسطين
السبت 7/11/2015
[email protected]