في ذكرى الرئيس ياسر عرفات شباب فلسطين يكتبون تاريخ جديد

بقلم: عباس الجمعة

احدى عشرة عاما مضت على غياب الرئيس الرمز ياسر عرفات ،على اغتياله، نعم اغتيال لأن اركان وعناصر الجريمة باتت واضحة ولا ينقصها سوى اعتراف المتهم المعروف وهو العدو الاسرائيلي، بعد ان اكدت التقارير وقوع الجريمة بدس السم ، ولكن لم يعلم الاحتلال بأن اغتياله للرئيس الشهيد ياسر عرفات، لم يحقق الهدف فالقضية التي رفع لواءها قائد الثورة لا تزال حية في وجدان كل الشرفاء والاحرار ،حيث كرس ابو عمار الكيانية الفلسطينية من خلال حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ،فكان يقود الثورة متنقلا بين العواصم والدول، وكانت شعلة الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد، و النضال الدبلوماسي والعمل السياسي والإعلامي طريق النضال، فخاطب العالم أجمع ورفع غصن الزيتون والبندقية على اعلى منبر في الامم المتحدة ، وتعرض للعديد من عمليات الاغتيال وحوصر في كامب ديفيد 2 وبقي وفياً للثوابت التي آمن بها، كقضايا القدس واللاجئين وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة بعاصمتها القدس فحوصر في مقر المقاطعة والتي هدمتها بلدوزرات الاحتلال وهو كان يقول"عالقدس رايحين شهداء بالملايين حتى اغتياله .

مما لاشك فيه أن هناك قادة استثنائيين في تاريخ الشعب الفلسطيني، والشهيد الرئيس الراحل ياسر عرفات واحد من أولئك القادة الذين أنجبتهم الثورة الفلسطينية، كما القادة فارس فلسطين الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس وحكيم الثورة القائد الراحل جورج حبش وامير الشهداء أبو جهاد الوزير وامين عام الجبهة الشعبية فارس الانتفاضة أبو علي مصطفى وسنديانة فلسطين ابو عدنان قيس وفارس القدس امين عام جبهة النضال الدكتور سمير غوشه ورمز الكفاح المناضل الامين العام لحزب الشعب الفلسطيني بشير البرغوثي وشيخ المجاهدين مؤسس حركة حماس احمد ياسين وشهيد اعلان الاستقلال الامين العام طلعت يعقوب وفارس المقاومة امين عام حركة الجهاد فتحي الشقاقي وقمر فلسطين الامين العام ابو احمد حلب والشاعر الكبير محمود درويش والشاعر الكبير سميح القاسم وغيرهم من قادة شعبنا العظام.

ولا بد من القول ان الشهيد ياسر عرفات سواء اتفقت معه أو اختلفت في النهج والسياسة أو غيرها، فهذا الرجل شكل حالة و"كريزما"قيادية فريدة فلسطينياً وعربياً ودولياً،فعلى الصعيد الفلسطيني كان القاسم المشترك والموحد لحركة فتح ، وكان يعرف كيف يحافظ عليها قوية ومتماسكة، وهو كذلك شكل عنواناً وبيتاً لوحدة كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،وأنا أجزم أن القادة التاريخيين للثورة الفلسطينية، كان الهم الوطني عندهم له الألوية على الاعتبارات الحزبية والتنظيمية الضيقة.

وعلى هذه الارضية كان الرئيس الشهيد أبو عمار يجيد الإبحار في البحر العربي المتلاطم الأمواج وينجح في قيادة السفينة الفلسطينية الى شط الأمان رغم حدة وشدة التجاذبات والخلافات العربية وتدخلاتها ومحاولة استخدامها للورقة الفلسطينية في خلافاتها وتناقضاتها،وكان يقف على مسافة من تلك الخلافات،ويرى أن مصلحة الشعب الفلسطيني تتطلب منه حنكة وحكمة في القيادة وتسيير أمور الشعب الفلسطيني وتحديداً في دول الطوق ،وكان قادراً على جعل القضية الفلسطينية حاضرة على طاولة القمم العربية،بل وكانت القيادة الفلسطينية تلعب دوراً مهماً في رسم وتحديد المواقف العربية من القضية الفلسطينية،وتوفير الدعم والإسناد لها سياسيا وماليا وتسليحيا وغير ذلك، كما كان على الصعيد العالمي بمثابة رمز لكل الشعوب وحركات التحرر والقوى الثورية العالمية، وكان في كل جولاته يستقبل استقبال الأبطال والقادة الكبار ، متمسكا بحقوق الشعب الفلسطيني .

واليوم نقول نحن أحوج ما نكون فيه الى الثبات على مواقف الرئيس الشهيد ياسر عرفات ، وأن أي خلاف مهما كانت شدته أو درجته،لا تبرر الانقسام او التهرب منها من قبل البعض ،حتى ان منع مهرجان مركزي بذكرى استشهاد الرئيس يثير الغضب عند البعض ويمنع قيادمه ، فهل اصبحت غزة بوجهة نظرهم دويلة خاصة ، لهذا نقول نحن بحاجة الى وحدة وطنية حقيقية في إطار البيت الفلسطيني الجامع منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني تتمثل فيها كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية باعتبارها العنوان والهوية والاطار الجبهوي مع ضرورة تطوير وتفعيل مؤسسات المنظمة، وكل ذلك بحاجة الى الإرادة السياسية الحقيقية من أجل إنهاء الانقسام المدمر الذي يعصف بحقوق وثوابت ومنجزات ومكتسبات شعبنا.

إن التضحيات الكبيرة التي قدمها ولا يزال يقدمها الشعب الفلسطيني والتي أثارت كثيرا من التعاطف مع الحق الفلسطيني، يراد لها أن تطمس وتمحى من الذاكرة الفلسطينية والعربية، الا ان شعبنا وبعد ان انتظر طويلا ما ستسفر عنه ما يسمى بمسار المفاوضات العبثية والعقيمة على مدار اثنان وعشرون عاما والتي لم تأتي بنتيجة سوى التردي وخيبات الامل من مجتمع دولي منحاز للاحتلال ، فصنع شباب وشابات فلسطين انتفاضتهم الثالثة بدمائهم وبسواعدهم ردا على بشاعة الاحتلال الصهيوني العنصري على امتداد ارض فلسطين المكتوية بنيران القهر والعنصرية والقمع والموت من فلسطين المحتلة عام 48 إلى غزة المحاصرة الكئيبة والضفة الفلسطينية المحتلة والقدس المغتصبة التي تعيش تحت وطأة الجدران العنصرية المتناسلة وصلف المستعمرين ونيران قوات الاحتلال .

نعم خلع الشباب الفلسطيني اتفاق أوسلو وحل الدولتين ومسار المفاوضات بالرعاية الأميركية لمواجهة كيان عنصري استيطاني يزداد توحشا في طريقه الممتد نحو خطط الاقتلاع والترحيل والمذابح ، فخرجوا طلاب المدرسة الوطنية الفلسطينية ابناء ياسر عرفات من كافة القوى والكتل الشبابية والطلابية الفلسطينية بأعمارهم الطرية يشهرون ما طالت أيديهم من سكاكين وحجارة وبسياراتهم يقاومون المحتل في كل مكان واستشهدوا بإباء وكرامة ليرفدوا انتفاضة متواصلة سميناها هبة شعبية، من خلال التصميم الثوري عند الجيل الفلسطيني الجديد الذي ضاق ذرعا بالوعود الدولية ليثبت قوته وتجذره رغم كل العقبات والحواجز.

ان ما نراه اليوم من صمود ومواجهة في الشوارع والساحات هو بكل تأكيد المعركة الحقيقية التي يتم فيها استعمال الطعنة والدهسة تلو الدهسة والحجر والمقلاع ضد الغزاة والمستعمرين بعد ربع قرن واكثر وأخذتهم في حلقة مفرغة من نزيف الدماء واستباحة الكرامة الإنسانية وتعاظم وحش الاستيطان والتهويد والتمييز والقمع والتجويع تلك هي فلسطين الواحدة في خريطة الشباب المحفورة داخل القلوب ،فحرارة الدم الفلسطيني الذي يغلي مع كل عملية قمع ومع كل شبر من الأرض يصادر ومع كل انتهاك للأقصى والقيامة ومع كل دمعة أم أسير ومعتقل هو الرد الطبيعي على الاحتلال.

من هنا نقول ان شباب فلسطين يؤكدون في ذكرى الرئيس الشهيد ياسر عرفات على الوعي الفلسطيني الذي يرتسم ويتشكل في مخاض تاريخي جديد ولو نجحت محاولات الالتفاف التي تقودها الادارة الامريكية وحلفائها فهي لن تفلح في إخماد الانتفاضة والقضاء عليها لأنها ستنبعث مجددا متسلحة بوعي أوضح وبإرادة أقوى فهكذا تقول تجربة الشعب الفلسطيني الذي لم يفلح كل ما بذلته القوى الاستعمارية والرجعية والغزاة الصهاينة من جهود لمصادرة حلم الشعب الفلسطيني بفلسطين حرة على كامل التراب الوطني وبقدر ما أوهموا الشعب الفلسطيني أنه الحلم المستحيل بقدر ما ازداد شباب فلسطين وفتيانها تعلقا به بعدما خبروا مسارات كثيرة بكل أقنعتها البائسة منذ نصف قرن وأكثر .

أن هذه الانتفاضة تشق مسارا يستدعي عملا نضاليا وتنظيميا جديدا فيه ابتكار وفطنة ومفاجآت للاحتلال وقطعان مستوطنيه، مما يتطلب خوضا في معركة الوعي من خلال استمرار الانتفاضة والعمل على تجذيرها ونقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة لمطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، وبذلك يكون تعبيرا عن الحقيقة الناصعة لدماء الشهداء باستحالة المساكنة مع الاحتلال وقطعان مستوطنيه تحت أي ستار.

امام كل ذلك نؤكد بإن فلسطين القادة الشهداء العمالقة وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد ياسر عرفات ، لن تبخل بالقادة الجدد من نسائها ورجالها الأشاوس فالروح الجديدة التي تدهش العالم في مدن وبلدات وقرى فلسطين كلها لا يمكن ان تموت ولا أن تخمد ونقيضها المستمر هو الاحتلال سيكون محفزا لاستمرارها وتصاعدها ولو تقطعت هباتها فالمسار سيتواصل ، ولن يستطيع أحد حبس الشعب العظيم في صيغ وأشكال ولى زمانها وباتت من سقط متاع التجربة المرة لكنه مسار طويل متعرج وصعب ومعقد ومضرج بالدماء ولا يمكن لأي حر في الوطن العربي والعالم ، إلا ان يقف ويقوم بإسناد الشباب المنتفض والشعب الفلسطيني المتمرد بكل ما أوتي من قدرة وأقلها رفع الصوت والاشتراك في معركة الوعي دفاعا عن الفكرة الخالدة التي لا تمحى ، كما قالها الرئيس الشهيد ياسر عرفات ورفيق دربه ابو العباس فلسطين حرة عربية رغم أنوف الغزاة والرجعيين.

في ظل هذه الظروف نرى بأن الانتفاضة الفلسطينية عصية على الكسر، لانها الانتفاضة التي لمت شمل الفلسطينيين ووحدت صفوفهم انها الانتفاضة التي اكدت للقاصي والداني للصديق قبل العدو ، ان الفلسطينيين ممكن ان يختلفوا في الرأي والتوجه والإنتماء والفكر والموقف السياسي والأسلوب والطريقة لكنهم لا يختلفوا على حب فلسطين ابدا، فالدم واحد ،وهذا يستدعي التعامل بكل جدية من اجل ملاحقة دولة الاحتلال على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وبقضية اغتيال الرئيس ابو عمار والعمل من رفع شكوى رسمية لمحكمة الجنايات الدولية ومطالبة المجتمع الدولي ومؤسساته بانشاء محكمة دولية بكل جدية امام الجرائم التي طالت الشعب الفلسطيني وجريمة الرئيس الشهيد.

ختاما : نعم استشهد الرئيس ياسر عرفات وغادرنا باكرا ، ولكن نقول بأننا بأمس الحاجة إلى أمثاله ليخرجونا من نفق الظلم الذي يحاصر أجسادنا وعقولنا وقلوبنا، صحيح انه ترك لنا ما نعتز به وما نبني عليه لمستقبل قضيتنا وشعبنا لو أخلصنا النوايا و نقتدي بها وأخلصنا للقيم التي مثلها كما عاهدناه يوم الفراق الأليم الذي ما زال يسكن أفئدتنا وعقولنا حزنا وتأسيا، لكن دماء شهداء الانتفاضة ستكون نبراسا مضيئا نحو تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

بقلم/ عباس الجمعة