المشهد الذي تم تسريبه عن جولة من جولات التحقيق العنيف مع الطفل الفلسطيني أحمد مناصرة , تكشف مدى الحقد والكراهية التي يتمتع بها محققي مخابرات الإحتلال , وهؤلاء المحققين هم إمتداد لمجتمع حاقد إستئصالي , شاهدنا أفراده وهم يحلقون حول الطفل أحمد مناصرة يوم أن وقع مصاباً وهم يصوبون نحوه الأسلحة الرشاشة , مع سيل من الشتائم القذرة التي تخرج من مستنقعات حثالات البشر.
يصرخ المحقق بصوت عالي في محاولة لإخافة وإرهاب الطفل مناصرة لسحب الإعتراف تحت الضغط والتهديد , فلقد وضعوا الطفل أحمد في أجواء من التهديد المباشر والإرهاب النفسي للتأثير على أقواله , لإستخدامها في إدانته من أجل إيقاع عقوبة السجن الطويل على الطفل الذي لم يبلغ السن القانوني وفقا للأنظمة واللوائح ولا يجوز حبسه ويجب الإفراج عنه فوراً.
الفيديو المسرب يوضح لنا هشاشة دولة " إسرائيل " ومرة أخرى يسجل الطفل الفلسطيني إنتصار جديد على هذه الدولة المرعوبة , ويعود هذا الرعب للشعور المستوطن في كوامن قلوب الصهاينة بأنهم سارقين لهذا الأرض , وأن وجودهم على ترابها باطل, يتطلب من البشر والشجر والحجر والرجال والأطفال والنساء في فلسطين مقاومتهم وطردهم إلى خارجها .
المحقق الصهيوني الذي يعلو بصوته المزعج ليخفي إرتعاشاته وخوفه , يوجه التهمة للطفل البطل أحمد مناصرة , والتي كانت من شقين الأول تهمة محاولة قتل يهود , والثانية مساعدة العدو في وقت الحرب وهي تهم توجه لجيوش وتنظيمات وفصائل , وليس لطفل يحاط بحفنة ماكرة وعفنة من جلادي الإحتلال , الذين يمارسون ضد التعذيب والضرب وأشد منهم التعذيب النفسي رغم إصابته البالعة التي لم يشفي منها بعد حيث يظهر على وجه الإعياء الشديد .
الحالة الصحية للطفل أحمد مناصرة لا تسمح بالتحقيق معه , كما أن التحقيق يتم في ظل غياب محاميه أو أحد من ذويه بحكم أنه قاصر , كل ذلك لم يتم مراعاته لأن الهدف الصهيوني هو تبديد التعاطف العالمي مع مشهد الطفل مناصرة وهو مصاب .
هل تضع دولة الإحتلال المستوطنين البالغين والذين يرتكبون جرائم القتل والإعتداء على الفلسطينيين تحت هذا الكم من الضغط والتهديد في التحقيقات أن حصلت أصلاً ؟! , هل فعلوا ذلك من المستوطنين المجرمين الذي أقدموا على إحراق الطفل الشهيد أبو خضير بعد أن أسقوه البنزين وأحرقوه وهو حي في جريمة بشعة؟! ولماذا أخلت محاكم الإحتلال سبيلهم ؟ , ولماذا ترفض دولة الإحتلال محاكمة قتلة عائلة دوابشة كما قال وزير الحرب موشي يعلون "حين اكتشفنا المجموعة المسؤولة عن إحراق عائلة دوابشة وعرفنا بأننا لا نملك القدرة على محاكمتهم أصدرنا بحقهم أوامر اعتقال اداري" , بكل تأكيد لا يستطيع ذلك ولا يملك القدرة لأنه بكل بساطة لا يريد أن تلتصق تهمة الإرهاب بالصهاينة , فإذا تمت محاكمة علنية لهؤلاء المجرمين حتى لو حكموا بيوم سجن واحد , فأن هذا يشكل إعتراف بوحشية وإجرام الصهاينة بارتكابهم جريمة حرق لأفراد عائلة وهم نيام , وهذا ما لا تسمح به دولة الإحتلال حتى لا يؤثر ذلك على سمعة الصهاينة في الخارج , ويفضح جرائم المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة ويكشف الوجه القبيح للصهيوني القاتل , وهذا ما لا ترغب فيه حكومة الإرهاب في تل أبيب , " فإسرائيل" دولة اليهود تدافع عنهم وتطرد عنهم تهمة الإرهاب , وتعطي اليهود الحق بفعل ما يريدون من قتل للفلسطينيين دونما حساب أو عقاب , ولكن الفلسطيني لو عطس فان أمن "إسرائيل" في خطر ويشكل تهديد مباشر لوجودها.
هذا هو الفرق الشاسع بين التفكير الصهيوني الذي ينعكس على أداء أجهزة حكومته الأمنية والسياسية والإعلامية وغيرها , والتي لا تسمح بتشوية الصورة التي رسختها في الإعلام العالمي وأنفقت في سبيل ذلك ملايين الدولارات , حول اليهودي المظلوم في وسط محيط من العرب القتلة , وأداء وتفكير قيادات السلطة الفلسطينية والتي تجرم المقاومين وتصفهم بالإرهاب ومقاومتهم بالعبثية , بل وتعتقل كل من يفكر بمقاومة الإحتلال ومستوطنيه , وتعقد لهم المحاكم العسكرية , وتستمر في التنسيق الأمني الذي تقوم به أجهزة أمن السلطة بلا حياء أو خجل وتتغذى منه أجهزة الأمن الصهيونية في حربها ضد المقاومة الفلسطينية .
الصهاينة باليمين واليسار والأحزاب السياسية وأذرع الكيان الحكومية , كلها مُسخرة لهدف واحد هو حماية المشروع الصهيوني , وضمان إستمرار وجوده على أرض فلسطين , وكل الصهاينة مدنيين وعسكريين جنود في الحفاظ على هذا الكيان الإستيطاني , فلا عجب أن ترى المستوطن المسلح إلى جانب الجندي النظامي يلاحقون فلسطيني ويشتركان معاً في مهمة قتله, كما حدث في حملة الإعدامات الأخيرة في مدينة الخليل المحتلة .
أمام هذا المشهد المعادي والمتآمر على قضيتنا الفلسطينية والذي يوفر الظروف المناسبة لقتل الفلسطيني والإستيطان في أرضه وتدنيس مقدساته وتهويد وتقسيم أقصاه , لابد أن يكون خيارنا هو الإستمرار بالإنتفاضة والتمسك بالمقاومة فهي النجاة من الضياع والتيه الذي يقودنا إليه البعض يدري أو لا يدري , يا أهلنا في الضفة والقدس تمسكوا بإنتفاضتكم ولا تدعو فرصة لسفيه أو مغامر أن ينقض عليها أو يحاول إجهاضها .
بقلم/ جبريل عوده