أبو عمار كما وصفه الكثيرون بالرجل الاستثناء ، نعم كان رجلاً استثنائياً . فهو صاحب شخصية مثيرة للجدل ، في تقديري وتقدير الكثيرين ، أنها شخصية لن تتكرر . كيف لا وقد جمع بين المتناقضات ، أجاد اللعب على جدرانها دون أن يسقط في أتونها . احتار في أمره القريب والبعيد . اختلفت وتصادمت معه معظم القيادات الفلسطينية ، من داخل الحركة وخارجها ، سرعان ما عاد وجمعها من حوله . وعندما يعمل على تدوير الزوايا مع أحد ، كان يعرف ماذا يريد منه . نسج علاقاته مع جميع الدول والقوى والأحزاب وحركات التحرر ، من يمينها ويسارها ووسطها من دون أن تحسبه على أحد منها . تارة تخاله ماركسي وعلماني ، وتارة تظنه قومي ، وتارة أخرى المتدين حتى النخاع . العلاقات لديه كما الباب الدوار ، لا يطيق أن يُلزمه أحد في محاور . والتكتيك والإستراتيجية عنده واحد . ديمقراطيته لا تجد لها تعريف بين المصطلحات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية ، فهو وصفها على أنها ديمقراطية غابة البنادق .
وعندما حانت حقيقة التسوية الأمريكية في المنطقة ، حضر مدريد ووقع على " أوسلو " . عاد أبو عمار لأراضي الحكم الذاتي ، علها المدخل نحو الدولة الحلم المفترض ، ولو على 22 بالمائة مجموع ما أبقته " أوسلو " من فلسطين . طالبه الأمريكيون و" الإسرائيليون " ، التنازل عن حق العودة والقدس ، رفض ، وكانت انتفاضة الأقصى بعد أن دنس الإرهابي شارون المسجد الأقصى . عاد أبو عمار لبدايات الثورة ، سلحَّ وغض الطرف عن المقاومين والاستشهاديين ، وأعاد وصل ما انقطع مع رفاق الرصاصة الأولى في الساحة ، الذين بادلوه الحرص بالحرص . حملته " إسرائيل " المسؤولية . فاغتاله المقبور شارون بعد أن توعده . فقضى كما تمنى شهيداً ، وليس أسيراً ، أو طريداً .
وأخيراً عندما حانت لحظة حقيقة استشهاده ووداعه قبل أحد عشر عاماً ، كل القيادات ومن تبقى من رموز الثورة سارت خلف نعشه لتقرَّ له بالقول :- اختلفنا معك ، ولم نختلف عليك .
رامز مصطفى