آه لو كنت الرئيس

بقلم: أسامه الفرا

يقود آليته التي اقتحمت الآلاف منها شوارع غزة في السنوات الأخيرة دون أن يلتفت يميناً أو يساراً سوى ما تفرضه عليه قواعد السير، يحاول أن يسخر حركتها الرشيقة كراقصة باليه بين المركبات التي باتت الطرق تزدحم بها، أجرى على "التوك توك" بعض التعديلات كي تتوائم مع طبيعة عمل، فوق رأسه مباشرة وضع يافطة من الجلد كتب عليها بخط جميل يلفت الإنتباه "آه لو كنت الرئيس".
ليس بالضرورة لذلك الشاب الصغير الذي يقود آليته أن يتوقف عند دراسة تحليلية حول الجوانب الاقتصادية المتعلقة بها يغلب عليها طابع الصالونات الفكرية، كل ما يعنيه أنها خلقت له فرصة عمل عجزت المؤسسات الرسمية والأهلية أن توفر له بديلاً عنها، مؤكد أن عمله هذا لم يكن ضمن طموحاته التي لطالما رسمها في خياله، لكنه لا يريد أن ينضم إلى جيش العاطلين عن العمل الذي يتضخم به الوطن، أراد أن يكون ضمن الكتيبة التي تسعى لتوفير قوتها دون أن تطرق أبواب الجمعيات طمعاً في "كوبونة" لا تغني ولا تسمن من جوع.
لو قدر لمالكي "التوك توك" تشكيل نقابة لأطاحت بعدد المنتسبين إليها الكثير من النقابات العاملة في الوطن، وكان بإستطاعتها أن تفرض على الحكومة أدبيات التعامل مع "التوك توك" طبقاً لنصوص قانونية واضحة، حتى وإن بات لدينا نقابة فهل يمكن أن يعتلي ذلك الشاب سدتها وينطلق منها إلى مقعد الرئاسة كما فعل "ليخ فاليسا" حين قفز من مكانته في نقابة العمال إلى مقعد الرئاسة في بولندا؟، هل تسمح أوطاننا لبائع الموز أن يصل إلى درجة الحاكم بأمره كما فعلت ماليزيا مع "مهاتير محمد" لينقلها من الفقر والتخلف إلى الغنى والتطور؟، وهل يمكن لثقافتنا أن تحاكي البرازيل وتسمح لماسح الأحذية أن يصبح رئيساً لنا، وإن حدث ذلك "وهو محط شك كبير" هل يمكن أن نفسح له طريق العمل والإبداع كما فعلت البرازيل مع رئيسها "لولا دا سيلفا"؟.
المهم ما الذي يمكن أن يفعله ذلك الشاب لو اصبح رئيساً؟، أو بمعنى أقرب إلى الواقعية ما الذي يمكن أن يتخذه الرئيس من قرارات تلبي طموحات ذلك الشاب؟، لن يذهب الشاب بواقعيته إلى ما ذهب إليه عبد الملك بن مروان يوم سمح لسيف الحجاج بن يوسف الثقفي أن يقطف الرؤوس التي أينعت، ولن تعيره انتباها تلك المراسيم المثيرة للجدل التي أصدرها الحاكم بأمر الله الفاطمي حين حرم على الرعية أكل الملوخية والجرجير، ولن يذهب بخياله إلى ما ذهب إليه الرئيس الأوغندي "عيدي أمين" حين أبدى عدم ممانعته في أن يتوج ملكاً على الولايات المتحدة متعهداً بأن أول قراراته تتعلق بالتخلص من هنري كيسنجر على اعتبار أنه لا يفقه شيئا في السياسة، ولن يأخذ عن القذافي عشقه للخيمة لينقلها معه أينما ذهب، ما يتمناه الشاب ملامسة هموم جيل مزقه الانقسام.
بينما كان وفد شبابي ينتظر لقاء الرئيس "أبو عمار" في القاعة الرئيسية بالمنتدى على شاطيء بحر غزة، جلس أحدهم على المقعد المخصص للرئيس، لم يغادر الشاب المقعد إلا بعد أن حضر الرئيس وأفصح له عن طموحه بأن يجلس يوما ما على مقعد الرئاسة، ابتسم الرئيس متمنياً للشاب حياة سعيدة بعيداً عن مغارم ذلك المقعد.

د. أسامه الفرا