غطت الابتسامة وجهه صديقي وهو يسأل أبنه الصغير الذي لم يتم عامه الرابع بعد، يسأله إن كان يحب فتح أم حماس وما اللون المفضل لديه، كانت تنفرج سريرته كلما استجمع طفله الكلمة التي لقنها له، لم يكتف الوالد بتلقين طفله بما عليه أن يحب من بين الفصائل الفلسطينية بل بما عليه أن يكره أيضاً، بعد أن أتم الوالد جملة الأسئلة ونطق الطفل بشق الأنفس بالإجابات المطلوبة، عدل الوالد من جلسته وأطاح برأسه قليلاً إلى الوراء وأفسح المجال لصدره أن يتمدد قبل أن يصدح بضحكة يعلن بها انتصاره المؤزر، لم ينس الوالد بعدها أن يربت على كتف الصغير قبل أن يدعه ينضم إلى الأطفال الذين سبقوه في لهوهم.
طلبت من صديقي أن يستمع جيداً لإجابات طفل آخر أعرف أن والده ينتمي إلى فصيل غير الذي ينتمي إليه صديقي، حملت اجابات الطفل من الحب ما حملت لكنها جاءت بشكل صادم عندما قفز الطفل عن الكراهية لما هو أثقل من ذلك وطأة، عاد الأطفال يلعبون دون ان تخلق المفردات التي تجرعوها مساحة فاصلة بينهم كتلك التي يحتفظ الكبار بها، أي ثقافة تلك التي نغرسها في عقول أطفالنا؟، وأي منتج فكري ذلك الذي سينضج في عقولهم؟، كيف نجرؤ على نقل عدوى الانفصام بين الوطني والحزبي الذي نعاني منه إليهم؟.
على مدار السنوات السابقة خرجت المئات من التوصيات التي تطالب الفصائل الفلسطينية بأن تكون فعالياتها تحت العالم الفلسطيني، سيما وأن الرايات الحزبية باتت تهيمن بشكل مطلق على المشهد، سيما وأن العلم الفلسطيني فيها يرفع على استحياء قبل أن يختفي في أيكة الرايات، الأمر لم يعد مجرد علم أو راية واللون الذي تكتسي به هذه الساحة أو تلك، الأمر بات يتعلق بأي منهما يتقدم على الآخر واي منهما يجب أن يصب في الآخر، كيف يمكن للنهر أن يواصل تدفقه بقوة ونحن نفسح المجال أمام تشعباته وكل منها يريد أن يأخذ النهر إلى جانبه؟.
ضمن لقاء نظمه المركز الفلسطيني للتمكين الوطني بحضور ممثلين عن الفصائل الوطنية والاسلامية، تمحور اللقاء حول الآليات التي يمكن من خلالها دعم الهبة الشعبية في الضفة الغربية، أجمع المتحدثون حول ضرورة أن يكون العلم الفلسطيني هو الجامع لفعالياتنا، وبها يمكن أن ننقل لشعبنا اولاً وللعالم ثانية صورة مغايرة عن تلك التى اكتست بها سنوات انقسامنا، ومن المفيد أن يأتي ذلك متناغماً مع توحيد الخطاب الإعلامي ووقف المناكفات والتشهير التي سممت الكثير من أجواء وحدتنا، لا أعرف إلى أي مدى يمكن لمبادرة المجلس الفلسطيني للتمكين الوطني " علم واحد .. وطن واحد" أن تمضي قدماً.
ما أروع تلك الفعالية التي يكون فيها العلم الفلسطيني هو الحاضر دون رايات حزبية ودون ألوان أخرى تقلل من هيبة ألوان العلم، ما الضرر الذي سيلحق بالفصيل إن نظم فعاليته بحضور العلم الفلسطيني دون سواه؟، هل بإستطاعتنا أن نعيد للعلم مكانته التي زاحمته فيها ألوان راياتنا؟، هل بمقدورنا أن نخلي مؤسساتنا الرسمية من راياتنا الحزبية ونفسح المجال للعلم الفلسطيني كي يرفرف عليها؟، هل يمكن لنا أن نحلم بتوافق نشرع من خلاله بإزالة كافة الرايات الحزبية من شوارعنا ومياديننا ومن على أسطح منازلنا وأن نستعيض عنها بالعلم الفلسطيني؟، مؤكد إن فعلنا ذلك سيكون الوطن أجمل وأروع فليست ثمة ألوان أجمل من ألوان العلم.
د. أسامه الفرا