في الذكري الحادية عشر , لرحيل القائد والأب والانسان , الراحل الكبير الرئيس ياسر عرفات , وجدتني أتذكر بعض المحطات من لقاءات جمعتني مع القائد الرمز, أختصرها في ثلاثة لقاءات إنسانية مؤثرة , من الأحدث إلى الأقدم:
( 1 )
من ذكرياتي مع الرئيس الراحل ياسر عرفات , أبو عمار , أو كما كان يحب أن نناديه "الختيار" , كنت على موعد معه لإجراء مقابلة صحفية لجريده " عكاظ " السعودية التي أعمل مراسلا وكاتبا فيها منذ 25 عاما , من الجزائر وغزة , وكان ذلك في منتصف شهر نوفمبر 1996 , في ذكرى إعلان الاستقلال , وبعد أن عرفته بنفسي وبالمؤسسة التي أعمل لها , رحب بي كثيرا , مشيدا بالمملكة العربية السعودية وما تقدمه لفلسطين .. وبعدها استأذنته بالحوار , مبادرا سؤالي الأول بمخاطبته : سيدي الرئيس.. وقبل أن أكمل السؤال قاطعني بصوت متحشرج وقال لي : لا تخاطبني سيدي الرئيس .. وتابع باللهجة العامية " رئيس على إيش " , على بلدي المحتل والمسروق ؟! وأضاف بكل تواضع : أنا مواطن فلسطيني , وابن فلسطين مثلك .. وانسابت من عينيه دمعة , تحمل كل معاني الحب لفلسطين , ولأبناء فلسطين .
( 2 )
وفي لقاء سابق , عندما كنا في لبنان , وفي يوم الاحتفال بذكرى انطلاقة حركة فتح والثورة الفلسطينية , في الأول من يناير عام 1982 , التي أقيمت في مدينة صيدا ذلك العام , أشار عليك أحد المرافقين , بأن أحد أبنائك من المقاتلين يحتفل اليوم في مخيم عين الحلوة بعقد قرانه , على ابنة أسير في سجون الاحتلال , وابنة أسرة أبعدت من الجليل الفلسطيني المحتل , بعد انتساب الأب والأم لحركة فتح ( القطاع الغربي ) , وكان اللقاء مع الأب القائد , وسألني من أي مدينة أنت , وأجبته أنني من مدينة الشهداء خان يونس , ومن عائلة فارس , وعندها بادرني , لقد سكنت لفترة قصيرة في خان يونس وفي منزل لعائلة فارس بشارع جلال, ووالدي رحمه الله مدفون فيها , وبعد أن تناول حبة من "الملبس" , بارك لنا , وقال أريد منكم أشبالا عما قريب , لأنني أريد أبناءكم من بعدكم ليكملوا المشوار , وأمرت يومها يا سيدي بصرف مساعدة زواج لي بمبلغ ألفي دولار , كانت كافية وقتها لدفع المهر وتكاليف الزواج.
( 3 )
أما أول لقاء مع الرئيس الراحل أبو عمار , فكان في ضاحية الهامة قرب دمشق في الأول من شهر سبتمبر عام 1972( قبل قصفها بأسبوع ) - بعد تنفيذ عملية ميونيخ في السادس من سبتمبر- وتحديدا في يوم عيد الأضحى , وكننا عائدين لتونا من جنوب لبنان , بعد أن قمنا بجمع ذاتيات للمقاتلين في القواعد , وقد اختلطت أحذيتنا بثلج الشتاء المبكر ذلك العام وطين أرض " فتح لاند " حيث حضر الراحل الكبير لمعايدتنا , حيث تقع مقرات وقواعد ومكاتب حركة " فتح " بينها الادارة العسكرية , وقيادة الشرطة العسكرية , ومقر قيادة قوات الكرامة , وقد لاحظت يا سيدي ما كنا عليه من ارهاق وتعب واتساخ ملابس وأحذية بعد تلك الرحلة , وعندها سالت عن المسؤول , وجدت يا سيدي يومها مسؤول الادارة العسكرية آنذاك الأخ ( أبو أكرم ) نائما في حدود الساعة السابعة صباحا , وقد ارتسمت على وجهك يومها علامات الغضب وأنت تخاطبه " إن المسؤول آخر من ينام وأول من يستيقظ" , لكن ذلك الغضب لم يمنعه من معايدتنا بصرف مائة ليرة سورية , وهو مبلغ كبير , حيث كان راتبنا لا يتعدى كما أذكر 300 ليرة شهريا فقط.
د. عبد القادر فارس