في ذكرى استشهاد البطل زياد الحسيني

بقلم: نعمان فيصل

الشهيد زياد الحسيني (أبو الفهد) المتحمس والمتفاني في خدمة وطنه، وأحد أبرز الضباط المناضلين الوطنيين في قطاع غزة الذي تعرض للخطر والمهالك وتصدى للمصاعب، لم يبال بما قد تؤول إليه الظروف والأحوال، ولكنه يؤمن بغزة العنقاء حرة وأبيَّة، ويثق بأن الهدف أسمى وأثمن، وأنه يستحق التضحية بكل معاني وأشكال التضحية، حاولوا ابتزازه وثنيه عما قد عقد عليه العزم واختاره بملء إرادته.. تارة بالتهديد وطوراً بالوعيد، لكنه صمد صخراً وثبت صرحاً.

يقول (مصباح البديري) رئيس هيئة أركان جيش التحرير الفلسطيني: "ولا تنفصل قصة شهيدنا الثائر زياد الحسيني عن قصة قطاع غزة الباسل، بل يتميز دور زياد في قصة البطولة هذه، في كونه لعب دوراً طليعياً وقيادياً في حركة المقاومة في القطاع، وأصبحت سيرته الذاتية ملكا لكل مناضلي قطاع غزة، ولكل مناضلي شعبنا وأمتنا، ولكل المناضلين في العالم.. إن جيش التحرير الفلسطيني يفتخر برجاله الأبطال من أمثال الرائد الشهيد زياد الحسيني".

وشهد اللواء مصباح صقر أول قائد عسكري لقطاع غزة عام 1967 ومؤسس قوات التحرير الشعبية في قطاع غزة له بالبطولة والشجاعة وتفوقه على جميع القيادات التي عملت في صفوف قوات التحرير داخل القطاع، رغم صغر رتبته العسكرية، وأنه كان أطولهم نفساً، ومثابرة في مقارعة الاحتلال.

ولد البطل زياد محمد الحسيني (أبو الفهد) في مدينة غزة في 14 يناير (كانون الثاني) 1943 في بيت مشهور بالعلم والصلاح، وأنهى دراسته الثانوية في مدرسة يافا وفلسطين بغزة، وفي عام 1964 التحق بالكلية العسكرية للضباط الاحتياط بالقاهرة، وتخرج منها ضابطاً برتبة ملازم ثان عام 1966، ثم عاد إلى غزة، وانخرط في قوات عين جالوت بجيش التحرير الفلسطيني، وعمل زياد في منطقة خان يونس، وبعدها في سيناء، وشارك في معارك الدفاع عن مدينة رفح الباسلة (موقع المقرزتين) في حرب حزيران 1967.

بعد أن وضعت الحرب أوزارها انخرط في صفوف قوات التحرير الشعبية، وكان مساعداً لقائد شمال قطاع غزة النقيب حسين الخطيب، ونظراً للدور الرائع والمشرّف في نشاطات قوات التحرير الشعبية شمال قطاع غزة منح في عام 1968 نوط الفداء والواجب من قيادة جيش التحرير الفلسطيني، وبعد قيام أول تنظيم لقوات التحرير الشعبية في يناير 1968 أصبح زياد الحسيني الساعد الأيمن للنقيب حسين الخطيب الذي تولى قيادة القوات الشعبية في القطاع، وبعد خروج النقيب حسين الخطيب من قطاع غزة عام 1969 غدا القائد الأول لقوات التحرير الشعبية في القطاع وشمال سيناء، واشترك في معظم عمليات الفداء والمقاومة وإلقاء القنابل والاغتيالات، ومن الصعب حصر 56 شهراً من العمليات اليومية المستمرة في مقارعة المحتل، حيث تصدرت غزة صحف العالم أجمع، ومن عملياته البطولية على سبيل المثال: عملية مدرسة الشجاعية التي كانت في يونيه من عام 1971 عندما قام زياد ورفاقه بالتوجه إلى مبنى المدرسة، وإرسال حارس المدرسة إلى قوات الاحتلال لإبلاغهم بوجود زياد المطلوب رقم واحد لديهم بالمدرسة، فعلى الفور توجهت القوات إلى المدرسة ليقعوا بالكمين المحكم، وأسفرت العملية عن قتل جميع الجنود، وعددهم 15 جندياً وتدمير عرباتهم، كما قام زياد باقتحام مبنى السرايا وقتل خمسة منهم، وكان من القتلى مسؤول المخابرات الإسرائيلي، الذي علق رأسه على سياج أحد المزارع في جباليا.

ومن مآثره إنه كان يقوم بين الحين والآخر بجولات تفقدية إلى بعض معسكرات اللاجئين.. فيزور الأسر الفقيرة، وعائلات المعتقلين والشهداء لتأمين احتياجاتها.

ونجح في الإفلات من قبضة الاحتلال الإسرائيلي مرات عدة؛ بسبب مهارته في التكتم، فما كان يعرفه سوى قلة لا يجاوزون عدد أصابع اليد من الفدائيين التابعين له، وكان من مآثره التي يشهد له بها الرجال الذين قاتلوا إلى جانبه وتحت إمرته أنه كان يختار لنفسه أصعب المهام في تنفيذ العمليات الفدائية، ويصر على أن يقوم بهذه المهام بنفسه مخاطراً بحياته ضارباً المثل الرائع بذلك لرجاله، ما يزيدهم حماساً واندفاعاً لتنفيذ أكثر العمليات الفدائية خطورة، وما حدا بقيادته إلى منحه عام 1969 وسام الواجب، هذا الوسام الذي استحقه على عملياته الجريئة وبطولاته الفائقة.

وفي عام 1970 رُقي إلى رتبة نقيب، وبقي على سيرته مجاهداً في ساحة الوغى، وكثف العدو كل جهده من أجل الوصول إلى معرفة مكان زياد، وكان مبدأ زياد الذي سار عليه منذ بدأ مسيرته النضالية ألا يسمح لنفسه أن يقع في يد العدو وفي عروقه نبض للحياة بأي حال من الأحوال.

وقد كان منزل زياد يتعرض لحملات التفتيش التي تقوم بها قوات العدو باستمرار، وكان العدو يجند العملاء لمراقبة المنزل لمحاولة معرفة مكان زياد بشكل متواصل، وأكثر من ذلك عمد العدو إلى توزيع المنشورات التي خصص فيها الجوائز المالية الكبيرة لمن يرشد عن مكانه, وحين لم تفلح كل هذه الأساليب في القبض على القائد البطل، عمد العدو إلى اعتقال والده الذي يبلغ من العمر السبعين كرهينة لديه إلى أن يسلم زياد نفسه.

وقاموا بتعذيب الوالد الشيخ حتى أشرف على الموت، وزاد العدو من ضغطه باعتقال جميع أفراد أسرته، حتى أخته الصغيرة (خالدة) التي تبلغ السابعة من العمر فلم تنج من الاعتقال، وأبعد العدو إخوته خارج الأرض المحتلة، بينما احتفظ بوالده ووالدته وشقيقته الصغيرة في معتقل صحراوي في سيناء يعرف بمعتقل (أبو زنيمة) كرهائن لديه طالما ظل زياد في ساحة الجهاد.

لكن زياد الذي رأى في كل أفراد شعبه أهلاً له لم يستسلم لضغوط العدو، ولقد زاد من عظم مآثر زياد في هذا الصمود أنه كان يشكو من مرض ألّم به، ولا يعرف له علاجاً، وكان هذا المرض يشتد عليه في بعض الأحيان؛ فغالب المرض مثلما غالب الضغوط النفسية، وظل صامداً لا يلين حتى قضى نحبه شهيداً بطلاً يوم الأحد 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1971، ودفن في اليوم التالي في مقبرة العائلة، وقد أبدى الحاكم العسكري الإسرائيلي احترامه مؤدياً التحية العسكرية لحظة خروج الجثمان، واتخذت السلطات الإسرائيلية التدابير اللازمة لمنع أية مظاهرة قد تقام في غزة بعد اغتياله.

إلا أن المدينة شيعته في جنازة مهيبة؛ سار فيها الآلاف من الرجال والنساء يتقدمهم الشيخ هاشم الخزندار، والأب يوحنا المعمدان، ومنحته الثورة الفلسطينية رتبة رائد تقديراً لدوره البطولي، ورثاه أصدقاؤه والعديد من قادة العمل الوطني، منهم الشاعر عمر خليل عمر قائلا:

سقط الكميّ عن الجواد

ج فبكته أطراف البلاد

حمل الحمام براحة

ج والموت مضغوط الزناد

ج

سألوا الفداء من الذي

ج تبكي لغيبته العباد؟

رد الفـــداء وما تـــردد

ج في إجابتــه وعــــــاد

ج

هذا الذي لبس السواد

ج لفرط ما لبس السواد

ج

ربط المصير بأرضه

فجفا مضاجعه الرقاد

ج

لا تسألوني ما اسمه

ج وسلوا التحدي والعناد

إن غاب جسم كمينا

ج فالروح في عمق الفؤاد

هذا الكمي أبو محمد

ج والمسجل في ضمائرنا زياد

وفي عام 1972 قرر مجلس السلم العالمي منح وسام المجلس لحركة المقاومة في قطاع غزة، ممثلة بالشهيد الرائد زياد الحسيني، وفي الحفل الذي أقيم في 18 يونيو 1972 في سورية وحضره السيد خالد الفاهوم رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، واللواء عبد الرحمن خليفاوي رئيس وزراء سورية قال السيد شاندرا رئيس مجلس السلم العالمي: (وكما تعلمون، فإن وفدنا يحمل إليكم أرفع وسام وتكريم يقدمه مجلس السلم للشجاعة والبسالة والنضال ضد البغي والطغيان، إننا نحمل للمقاومة في غزة وسام مجلس السلم العالمي، ونقدمه باسم أحد أبنائها البررة الرائد زياد الحسيني..).

بقلم/ نعمان فيصل