تفجيرات باريس ... ماذا بعد ؟!

بقلم: وفيق زنداح

تفجيرات باريس الارهابية ... المرفوضة والمدانة ... دينيا ..وطنيا ..وانسانيا.. تأتي في سياق سلسلة العمليات الارهابية التي تشهدها العديد من المناطق والساحات ... والتي تؤكد أن الارهاب لا تفصله حدود... وغير محدد بدين ... لأنه عبارة عن فكر منحرف... وسلوكيات شاذة... وقلوب سوداء... يحركها الانتقام والبغضاء والكراهية... لقتل الابرياء... واسالة الدماء وازهاق ارواح المدنيين ...واثارة الفزع والخوف ...وتهديد امن واستقرار الشعوب و الدول .
الارهاب بفكره وسلوكه المشين والمدان ...يعبر عن حالة فعل لا يقبله عقل او دين ... ولا تقره الأديان السماوية ... ولا حتى العلاقات الانسانية .
الرفض والتنديد بالإرهاب ومع اتساعه وانتشاره ... ومع كل ما يمكن ان يقال من عبارات التنديد والاستنكار... لا يعني مجرد او محاولة الخلط ما بين الارهاب المدان والمستنكر... وما بين النضال الوطني التحرري وحق الشعوب في مقاومة المحتل ... وما يجري من قبل رئيس الحكومة العنصرية الاسرائيلية نتنياهو من محاولة التباكي على ما جرى من تفجيرات ارهابية في باريس... وادعاءاته الكاذبة والمضللة والمتناقضة مع واقع الحال... بمحاولته الربط بين ما يجري هنا ... وما جرى في باريس ... الا اذا كان نتنياهو يقصد... من عملية الربط... أن يتحدث عن ارهاب الدولة المنظم الذي تمارسه حكومة الكيان العنصري ...وجماعات المستوطنين من قتل وحرق... نهب وسلب لأرضنا ولشعبنا... وما يجري من تدنيس مقدساتنا ومحاولة تزوير التاريخ .
نحن الفلسطينيون من أكثر الشعوب الرافضة للإرهاب بكافة اشكاله ... لأننا اكتوينا بناره وظلمة وبشاعته من خلال الاحتلال الاسرائيلي الجاثم على صدورنا وارضنا... والسالب لحقوقنا والقاتل لأطفالنا وشبابنا ونسائنا ... المدمر لمنازلنا ... عدو محتل يمارس الارهاب بكل غيه وتطرفه وعدوانه ... ويحاول خداع العالم ... استغلالا لظروف وقتية ... واحداث استثنائية ... بمحاولة الخلط ما بين الارهاب ... الذي يجري بالعديد من الساحات... والمرفوض والمستنكر... من قبلنا ومن قبل الغالبية العظمى من الدول والشعوب... وما بين المقاومة المشروعة والنضال التحرري من اجل الحرية والاستقلال ... وهنا فالفرق شاسع وبين ... ولن تستطيع اسرائيل وحكومتها العنصرية ان تخدع العالم بمحاولة احداث التقارب والموائمة .
منذ ما يسمى بثورات الربيع العربي ... والتي جاءت ما بعد سنوات من تصريحات كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية السابقة حول الفوضى الخلاقة ... وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ .... حاولت الولايات المتحدة الامريكية تغذية بؤر التوتر والفوضى ... لأجل اسقاط الدول وتغيير الأنظمة السياسية... ومحاولة تصدر الاخوان لاعتقاد الامريكيين والاوروبيين ان حكم الاخوان سيحدث التغيير المطلوب من النظام العربي القائم... وسيوفر الفرصة لإمكانية مواجهة تنظيم القاعدة المهدد للمصالح الامريكية والغربية ... وعندما فشلت الرؤية الامريكية الاوروبية بخيار الاخوان وقدرتهم على مواجهة القاعدة والنجاح في الحكم ... كانت النتائج بعكس ما تم رسمه وتخطيطه .... مما وفر أرضية ظهور تنظيم الدولة الاسلامية داعش كبديل او مكمل لتنظيم القاعدة في مشروع تخريب الدول داخل المنطقة العربية .
القاعدة وقد تم صناعتها في فترة الوجود السوفيتي بأفغانستان ... وما تم في تلك الفترة من حشد وتأليب الشباب المسلم على الاتحاد السوفيتي ودفعه للجهاد في افغانستان ... وعندما تم الانسحاب السوفيتي انقلبت القاعدة على الامريكيين .
ما بعد احداث 11 سبتمبر استمرت الملاحقة الامريكية الاوروبية لتنظيم القاعدة وما اسفرت عنه النتائج من قتل اسامة بن لادن ... وبداية مرحلة جديدة لصناعة تنظيم مقابل ومهدد فكانت داعش في العراق وانتشارها بصورة سريعة وملفتة خلال اسابيع واشهر قليلة ... وانتقالها للساحة السورية ... حتى وجدنا ان تلك الجماعة الارهابية قد انتشرت في العديد من الساحات بسرعة البرق... مما يثير العديد من التساؤلات حول قدرات هذا التنظيم... والجهات الداعمة والمساندة له ومصادر تمويله وتسليحه .
كافة المتابعات الاعلامية تؤكد ان تنظيم داعش يقف ورائه قوى استخباراتية تفوق قدرات بعض الافراد او الجماعات ... مما يتطلب حشد دولي لمحاربته واجتثاثه ... حتى لا نبقى في دوامة الارهاب المدمر لاستقرار الدول والشعوب .
المرحلة الحالية تتطلب اعادة صياغة المواقف للدول الكبرى ... وتحديد موقفها وفعلها الحقيقي بما يخص الارهاب وانتشاره ... ولتلك الدول القدرات الاستخباراتية التي تكفل لها الوقوف على حقيقة هذا التنظيم... وعدم استمرار محاولة محاربة جماعات وهمية ... والادعاء بمحاربته بالعديد من الساحات دون فعل حقيقي وملموس ... والا فان محاربة الارهاب... اذا ما صحت النوايا ... لا يعقل ان يستمر بهذه القوة والانتشار في العديد من الساحات ... وهذا التهديد الارهابي المستمر والمتواصل للعديد من العواصم والمدن .
ومع الموقف الرافض والمستنكر للإرهاب بكافة اشكاله ... نأمل ان لا يحصد أحد ما قام بزرعه من شر وظلم ... لأنه ربما سيصيب ابرياء ... من هنا تأتي الدعوة لإعادة صياغة المواقف وترك الشعوب تحدد مصيرها بنفسها ... دون تدخل من أحد... فلا يعقل أن تحرك بعض الدول الكبرى جماعات ارهابية لأجل اسقاط الدول ... وحتى يتأكد الجميع... ان نار الارهاب ممكن ان يصيب الجميع ... وان يحرق الاخضر واليابس ... وهذا ما لا نتمناه ... وما لا نأمله ... ولا نرغب برؤيته .

الكاتب/ وفيق زنداح