فلنكن متفقين أن الجرأة الحقيقية التي ظهر بها الشباب الفلسطيني، قد أدهشت المتابعين للساحة الفلسطينية، وأربكت حسابات الكثيرين في (اسرائيل)، وما ميزها هو قيام الشباب الفلسطيني بتحديد أهدافه ووسائل تحقيقها، ومواصلة درب طويل من المقاومة الشعبية التي استشهد من أجل تعزيزها وتجذريها الشهيد البطل زياد أبو عين، ولقد أوجدوا أساليب مشتركة بين ما تميزت به الانتفاضتين الأولى والثانية، وأصبحت أكثر شمولية "جغرافيا- ابعاد" في مسماها، فتحول الاسم من انتفاضة الأقصى الى انتفاضة القدس، وبالتالي فهذه الشمولية تتلاقى مع ما تم تحقيقه منذ 27 عاما حيث أعلن الرئيس الشهيد ابوعمار بإسم الله وبإسم المجلس الوطني عن قيام دولة فلسطين، وما تلا ذلك من إنجازات آخرها في 2012 حيث الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال عضو مؤقت في الأمم المتحدة وفي 2014 الانضمام الى المنظمات الدولية ومنها وأهمها المحكمة الجنائية الدولية، وقبل يوم واحد من اندلاع الانتفاضة الحالية في 30 سبتمبر 2015 تم رفع العلم الفلسطيني رسميا بجانب أعلام دول العالم على الأمم المتحدة .
ولم يكن الاحباط وحده أو الظروف المعيشية القاهرة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني، ولا الانغلاق السياسي، هو المتسبب الوحيد في ولادة الجرأة المنتفضة في وجه الاحتلال، وكما لم تكن الأوضاع العربية السيئة ولا الإهمال الرسمي للقضية الفلسطينية، ولا الإنشغال الاقليمي بقضاياه الساخنة مثل الحروب الداخلية في بعض الدول العربية وانشغال الشعوب بتامين امنها وخبزها، عوامل تحول دون الانطلاق نحو فعاليات هذه الانتفاضة حيث #غضبة_القدس، وكما لم يكن الانقسام الفلسطيني وتداعياته حائلاً دون إندلاع الفعل الثائر الفلسطيني في وجه الاحتلال، ومع أهمية كل ما سبق وتأثيره المباشر أو الغير مباشر أو الوقتي أو اللاحق، يبقى القمع والقهر والاحتلال الاسرائيلي للشعب الفلسطيني، وسرقته للأرض الفلسطينية، سبب رئيس لقيام الشباب الفلسطيني بمقاومته بالرغم من التضحيات اليومية بالأرواح والممتلكات وتأثر الاقتصاد الفلسطيني بما يحدث يوميا.
إن ما تحققه غضبة القدس أكبر من المشاهد التي تنقل يوميا عبر الفضائيات او الصور او التقارير، لقد تأثر الاقتصاد الاسرائيلي مباشرة وآخر الاحصائيات تتحدث عن ما يزيد عن مليار دولار من التراجع، ناهيك عن تأثر قطاع السياحة الاسرائيلية مباشرة بالرغم من كل إجراءات الجذب وفرض الأمن ومضاعفة الحملات الاعلامية والدعائية لتوفير مظلة ثابتة للسياحة، وكما أن التركيز على قانونية القضية الفلسطينية وأنسنتها يسجل تقدما في الوعي الفلسطيني المقاوم والمواجه للاحتلال في كل مواقع الاشتباك.
ويبقى على القيادات الفلسطينية أن تعالج الإشكاليات الداخلية في مجتمعنا الفلسطيني وعلى رأسها الانقسام السياسي، والإحتراب الداخلي، كي يمكن أن يكون ذلك عامل مساعد قوي لاستمرارها وحاضنة استيراتيجية، يزيدها قوة وتحقيقا للأهداف واعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة الدولية وضمن أولويات القضايا في منطقة الشرق الأوسط الساخنة بالملفات المعقدة والمتراكمة والمتصاعدة والملتهبة.
بقلم/ د. مازن صافي