"داعش"… إرهاب للإيجار

بقلم: فايز رشيد

الإرهابيون التكفيريون يريدون فرض جدول أعمالهم على المنطقة والعالم، سواء في التوقيت الذي ينتقونه، أو في الأهداف الذي يريدون مهاجمتها.
كانت هجمات باريس الإرهابية الدموية، حلقة تالية لتفجير الضاحية الجنوبية في بيروت، المزدحمة بالفقراء والأبنية المتلاصقة. تماما كما تفجيرات العاصمة الفرنسية، التي تعجّ بالعاديين من البشر ومن كل الأجناس. إنهم يتقصدون دوما، إزهاق أرواح المزيد من الضحايا وسفك المزيد من الدماء، حتى يكونوا على طريق: أن يجذب عنفهم المزيد من المُضللّين وقساة القلوب، ومن يملأ صدورهم الغضب على حكوماتهم أو مجتمعاتهم، أو ما تسعفهم به ثقافتهم التكفيرية وضيق آفاقهم ورفضهم الآخر، طالما زعموا ويزعمون بأنهم المسلمون الحقيقيون ويحددون معايير الإيمان و"مواصفات" الدخول إلى الجنة، والاستمتاع بالحور العين اللواتي سيكن في انتظارهم على أحرّ من كل جمر الترقب…يكافأنهم على "جهادهم" الدنيوي، وإيغالهم بعيدا في سفك دماء أكبر عدد من الناس.
عند كل منعطف في الصراع الفلسطيني العربي ضد العدو الصهيوني، يلجأ "داعش" إلى القيام بتفجيرات إرهابية ليتم حرف الأنظار عن بؤرة الحدث الأهم، لصالح التوجه لإرهابه، باعتباره الأبرز بين كل الأحداث. منذ اللحظة الأولى للعدوان الصهيوني على المسجد الأقصى وبدء الانتفاضة الحالية، كان من المفترض في التنظيمات التي تطلق على أسمائها وصف "الجهادية " كـ"داعش" و"النصرة" وغيرهما، أن تترك معاركها التي تشنها ظلما وعدوانا على جبهات ودول عربية كثيرة، وتوجه كل أسلحتها إلى العدو الصهيوني، فوفقا للدين الإسلامي الحنيف: أن الجهاد ضد إسرائيل هو الأهم والأولى، فالعدو الصهيوني هو الغاصب للأرض الإسلامية، وهو القاتل للبشر والمدنيين والأطفال الفلسطينيين، وهادم البيوت، وهو العدو الرئيسي للإسلام، ولكن كافة هذه التنظيمات وبدلا من الجهاد الأكبر المفترض أن تخوضه ضد عدو الدنيا والدين، واصلت وتواصل مخططاتها التخريبية في دول العالم العربي والعالم، باعتبار ذلك أهم وأولى من تحرير بيت المقدس والمسجد الأقصى، المهدد بالانهيار والمتعرض في كل يوم لهجمات المستوطنين واعتداءاتهم واستباحاتهم الدائمة.
الظاهرتان، إسرائيل و"داعش" رعى الغرب إنشاءهما من العدم، خاصة بريطانيا في إنشاء الكيان، الولايات المتحدة في رعايته في ما بعد، وفي إنشاء "القاعدة" وفروعها. تم إنشاء إسرائيل ككيان مصطنع في منطقتنا من أجل أهداف استعمارية بحتة. كيان عدواني مهمته الرئيسية، الاعتداء على شعوب المنطقة ودولها.. تاريخا وحضارة ووجودا. كيان تاريخه حافل بالمذابح ضد الفلسطينيين والامة العربية. كيان أتى لتخريب النسيج الاجتماعي لشعوب الأمة الواحدة، ومنع لقائها الجمعي، ومن أجل تفتيت دولها إلى دويلات متحاربة، من خلال الصراعات المذهبية والطائفية والإثنية. كيان يسعى إلى تحقيق دولته الكبرى في معظم انحاء الوطن العربي.
الأهداف نفسها التي من أجلها جرى إنشاء "القاعدة" وفروعها ومنها "داعش"، والطرفان يسعيان إلى الأهداف ذاتها ويمارسان الإرهاب (كلّ على طريقته) لتحقيقها. صحيح أن طرق القتل التي يطبقها "داعش" مقرفة ومقززة ويندى لها الجبين الإنساني، لكن الكيان يطبق القتل ذاته بأساليب مختلفة وبشكل أكبر. إسرائيل تقتل الأطفال الذين لم تبلغ أعمارهم بضعة أشهر من خلال تدمير البيوت على رؤوس أصحابها و"داعش" يقتل الأطفال من خلال التفجيرات الدموية الإرهابية. "داعش" أيضا يهجّر السكان، وهذا ما يقترفه الكيان بحق الفلسطينيين. "داعش" تتلمذ على يدي أستاذه الصهيوني في إثارة النزاعات الطائفية والمذهبية والإثنية في العالم العربي، و"داعش" يكمل مسيرة الكيان.
معروف للجميع كيف يقوم الكيان بتسهيل هجرة المسيحيين العرب من مناطق الصدام في الدول العربية والاستعداد لاستقبالهم لديه، داعش يقوم بالدور التهجيري للأقليات نفسه، بداية تهجيرهم من أماكنهم تمهيدا لتهجيرهم إلى الغرب.
إعلان هذا التنظيم الأصولي الإرهابي حول الخلافة ينبع من افتئات واضح على الإسلام، الذي هو بعيد كل البعد عما يمارسه "داعش"من ذبح لكل من يعارضه أو حتى يخالف أوامره، وبطريقة وحشية بعيدة عن الإسلام الحنيف وتعاليمه، فالتمثيل بالجثث وبشكل مهين بعيد عن الإنسانية، وهو ما يمارسه التنظيم الإرهابي، الذي قرّر أن يلغي اسمه من "الدولة الإسلامية في العراق والشام" إلى "دولة الخلافة الإسلامية" ابتداء من صدور بيانه وصولا إلى اللحظة الراهنة. من قبل أفتى التنظيم بأن من يستعمل اسم "داعش" من الناس في المناطق التي يسيطر عليها "سيعاقب بثمانين جلدة، التنظيم قرّر أيضاً مخاطبة رئيسه بـ"الخليفة"، كما أنه أفتى بأن واجب المسلمين مبايعة نصرة الخليفة. هذا التنظيم يعتبر نفسه ممثلاً للسلطة الإلهية على الأرض جميعها، وليس في بقعة معينة. مشروع "داعش" وخطره ليسا مقتصرين على المناطق التي يحتلها وإنما يمتدا إلى جميع دول الوطن العربي والأمة العربية بأسرها، بما يعنيه ذلك من أخطار تحيق بالأمن القومي العربي بكامله، ويمتدا إلى النطاق الإقليمي والدولي لذا فإن هذا المشروع عدواني توسعي.
لكل ذلك، ليس من الغرابة بمكان أن إسرائيل هي المستفيدة أولا وأخيرا من إرهاب "داعش"، لذا حاولت استثمار هذه الهجمات الإرهابية لتشويه حقيقة الإسلام. لإقناع العالم بالربط بين كل العرب والمسلمين والإرهاب. لتحويل الأنظار عن جرائمها العنصرية بحق شعبنا الفلسطيني. لربط مقاومة الفلسطينيين المشروعة ضد الاحتلال بـ"الإرهاب". للاستمرار في مصادرتها للأرض الفلسطينية. لإزاحة الاهتمام عن التناقض الرئيسي بينها وبين الشعب الفلسطيني والأمة العربية من ورائه، لصالح التناقضات البينية العربية. للمزيد من تزييف الوقائع بالادعاء، إنها ليست سبب الصراعات في المنطقة، وهي المليئة بالصراعات العربية – العربية. هكذا يؤدي "داعش" خدماته التأجيرية للكيان الصهيوني.

٭ كاتب فلسطيني

د. فايز رشيد