أن الشباب الفلسطيني الثائر والمنتفض يؤكد بدمائه الزكية إلى العالم سنحفظ حقوق شعبنا بدمائنا، وسنحمي مقدساتنا بأرواحنا، فلا الدبلوماسية ولا المفاوضات، ومن هنا يمكن القول إن مسارا جديدا للنضال قد انفتح، يتجاوز كل أخطاء وسلبيات وخطايا المرحلة السابقة. وإذا كان يعاني الشعب الفلسطيني اليوم من عوائق الانقسام، فربما يستطيع تجاوزه غدا.
واليوم تطرح الانتفاضة الفلسطينية ، أسئلة استراتيجية متشعبة حول المصير الفلسطيني وعملية التسوية وآليات المواجهة والسبل الآيلة إلى تطويرها، ومواقف الفصائل والقوى الفلسطينية المختلفة من غاية الانتفاضة ودورها، إضافة إلي تأثيراتها على السياسات العربية والدولية، الرسمية منها والشعبية، ناهيك عن انعكاساتها على سياسات العدو الصهيوني .
ومن الواضح أن العلاقة بين الإعلام والانتفاضة لها أثر ودور كبير لاسيما علي مجريات الأحداث والوقائع التي تعيشها القضية الفلسطينية في هذه المرحلة ، يأتي ذلك في الوقت الذي لعبت فيه وسائل الإعلام المختلفة أدوارا متعددة في فضح السياسات الإجرامية والهمجية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته الهادفة للقضاء علي الإنسان والأرض الفلسطينية ، فالإعلام من أهم أسلحة الانتفاضة وأحد مقوماتها الأساسية، للاستمرار، والوصول إلي الأهداف المرجوة، ولن يكون كذلك إلا إذا أخذ بعداً عربياً وأمميا من أجل تحقيق الأهداف النهائية للشعب الفلسطيني وخاصة إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، وتطبيق حق العودة لأكثر من أربعة ملايين لاجئ الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها، هذا فضلاً عن ضرورة التأكيد على قرارات الشرعية الدولية حول القدس، اللاجئين، الاستيطان، ومن أهمها القرار 237، والقرار 194.
وامام واقع الخطاب الإعلامي منذ اندلاع الانتفاضة قبل شهرين وحتى الآن نجد أن الخطاب الإعلامي الفلسطيني خطاب لم يصل في ذروته لدرجة الوعي والإدراك للمتغيرات التي يعيشها الشعب الفلسطيني أو لخلق حالة من الانسجام بين كافة القوى والأطر الفلسطينية المشاركة بفعاليات الانتفاضة ، فهناك أكثر من خطاب إعلامي فلسطيني يطرح وهذا طبيعي جداً وديمقراطي في الدول المستقرة والمتحررة من دنس الاحتلال ولكن حسب اعتقادي أنه في ظل واقعنا الفلسطيني والتحديات التي تمر بها قضيتنا في ظل الاحتلال والعدوان الصهيوني تكون هذه الظاهرة غير صحية في الوقت التي يتشتت فيه الخطاب الإعلامي حسب التوجهات والأهداف التي يتبناها كل تنظيم أو فصيل فلسطيني بما يتلاءم وطبيعته ، فالسلطة لها خطاب إعلامي والفصائل والقوى والاحزاب الفلسطينية لها خطاب إعلامي أخر والشباب الفلسطيني له خطابه ، وعليه بقي الخطاب الإعلامي الفلسطيني في حالة من الضعف والترهل نتيجة حالة الانقسام الواضح من الهدف السياسي للانتفاضة ورسالتها من جهة وغياب الرؤية والبرنامج السياسي الفلسطيني الموحد من جهة ثانية ، والذي أدى بدوره لخلق حالة من الإرباك والتخبط الواضح للتوجهات والرؤى المعبره عن الانتفاضة والغاية منها .
لا شك أن الأداء الإعلامي الفلسطيني ، يواجه مشكلة كبرى وهي ازدواجية الخطاب السياسي وعدم الانسجام والوضوح وهذا يتطلب أن يكون هناك خطاب سياسي واحد موحد وثابت بعيدا عن الازدواجية ، ويرتكز في أساسه علي استمرار الانتفاضة والمقاومة وتفعيلها ، وهنا لا بد من التأكيد على الدور الكبير الذي تلعبه قناة الميادين في دعم الانتفاضة وتستنهض الطاقات ومعها بعض القنوات الفضائية رغم ما تتعرض له قناة الميادين الفضائية من محاولة تغييب عما يجري من محاولات إجهاض واحتواء هذه الانتفاضة الباسلة التي يخوضها شعبنا، ولكن ما نتمناه هو ضرورة النهوض بإعلام فلسطيني قوي قادر على التأثير في الرأي العام الفلسطيني وتعبئته ومواجهة الأكاذيب الصهيونية وكسب الرأي العام العالمي لصالح حقوقنا الوطنية وعلى قاعدة الاستمرار في النضال حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني.
وامام هذه الظروف نؤكد على ضرورة استنهاض دور الإعلام الفلسطيني وإسهاماته في إيصال صوت الانتفاضة وصورها وحركتها إلى العالم الخارجي، ومنه الوطن العربي بطبيعة الحال، ليقدم صورة وخطاب إعلامي واحد وثابت من الانتفاضة وأهدافها وبرنامجها ، يستند في مقدمته على ضرورة استمرار الانتفاضة وسبل دعمها وتطوير أشكالها بما يخدم صمود الشعب واهدافه الوطنية المشروعة ، وهذا يدعونا للتحرك على كل المستويات الاعلامية من اجل عزل دولة الاحتلال الصهيوني ، ورفع مستوى الاعلام الفلسطيني المقاوم والمناهض لسياسة التطبيع ، وتحويل المشروع الإسرائيلي الى مشروع خاسر بمناهضة التطبيع وتعزير دور الاعلام الوطني المنحاز للقضية الفلسطينية ، مما يتطلب وجود اعلام مقاوم يناهض سياسات اسرائيل ويخدم القضية الفلسطينية، ويعمل على دعم الانتفاضة الباسلة الذي يقودها جيلا من شباب وشابات فلسطين يخوض غمارها سواء بعمليات الدهس أو السكاكين أو الزجاجات الحارقة او غيرها من العمليات من حجارة ومقلاع ، وهو جيل من القوى والفصائل الفلسطينية، فهذا الجيل هو خريج المدرسة الوطنية الفلسطينية، وترعرع وتربى بين جنبات هذه القوى.
ومن هنا نرى الاعتداءات الاحتلالية الصهيونية التي تستهدف الطواقم الصحافية التي تغطي الأحداث في الضفة والقدس من أجل ترويعهم والضغط عليهم لوقف التغطية الإعلامية، ونقل تفاصيل الجرائم المتواصلة التي تُرتكب ، وهذا يتطلب تحركا فلسطينيا لدى المؤسسات الدولية المعنية بتحمل مسؤوليتها في إدانة جرائم الاحتلال، واستهدافها الممنهج للصحافيين، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية الصحافيين.
ونحن نعتقد ان ما يتعرض له الاعلام المقاوم هو نتيجة ما يبثه من ثقافة مقاومة حتى تبقى الانظار مشدودة إلى فلسطين، وان تحديد دور الإعلام وطبيعة خطابه يشكل انتصار للانتفاضة الشعبية من خلال نقل الأحداث كما هي وبطريقة مهنية ذكية ، وإن هذا الجهد يهدف بشكل أساسي إلى تكوين رأي عام عربي وعالمي دعم للانتفاضة قادرة على التأثير ، لأن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في وجه عدو فاشي متغطرس مدجج بالسلاح، يوفر الفرصة الموضوعية أمام حركة التحرر الوطنية العربية، أمام الجماهير العربية، للبدء بولوج مرحلة جديدة باتجاه فلسطين.
أن الاعلام مهنة صعبة تتطلب الثبات والصمود والمقاومة ولا سيما في ظل التحديات التي تفرضها الظروف الراهنة ، ونحن على ثقة بأن الرسالة الإعلامية في مضامينها تحمل معاني
البقاء والاستمرار والتحدي لتحقيق الأهداف المنشودة والمساهمة في صنع الانتصار والوفاء لدماء الشهداء.
ان الانتفاضة الباسلة تشكل انتصارات جديدة على صعيد التضامن الدولي لا يمكن الاستهانة بها، حيث نلمس بوضوح تعاظم التأييد العالمي لقضية شعبنا وحقوقه المشروعة من قبل شعوب العالم الحر الذين هبوا متضامنين مع فلسطين وملأوا الميادين في أوروبا وأمريكا اللاتينية والتي شكّلت سنداً وداعماً حقيقياً للشعب الفلسطيني في الوقت الذي رأينا فيه حجم التواطؤ الرسمي العربي، وزيف ما يسمى بالربيع العربي.. فنحن أمام فرصة تاريخية ينبغي فيها استثمار ما تحققه الانتفاضة الباسلة المعمّد بتضحيات شعبنا وصموده وبسالة مقاومته وهي أعظم معاني الوفاء لشهداء الانتفاضة وجرحاها، فدرب النضال شاق وطويل على طريق دحر الاحتلال.. فلا خيار ولا سبيل أمامنا إلا المقاومة والوحدة.
ختاما أن الانتفاضة مستمرة في عنفوانها وتصاعدها وهي كسرت كل الحواجز الوهمية التي صنعها هذا الاحتلال، ووحدت الشعب الفلسطيني في الميدان خلف هذه الانتفاضة في الضفة والقدس وغزة و48 والشتات، كما أنها أربكت حسابات هذا الاحتلال، إلا أنها بحاجة إلى توفير الحماية السياسية من قبل جميع الفصائل والقوى حماية شبابها والى دور اعلامي مميز حتى تستمر وتتصاعد وتحقق أهدافها حتى رحيل الاحتلال.
بقلم / عباس الجمعة