قتل بدم بارد

بقلم: محمد فايز الإفرنجي

مللنا الحديث والكتابة عن الحصار وعما يعانيه الشعب الفلسطيني من آهات وآلام وأحزان, مللنا سياسة الاستعطاف والرجاء لدى الشعوب العربية وأنظمتها, للدول الغربية, وحكوماتها, للمؤسسات الدولية التي ترفع شعارات الإنسانية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من شعارات براقة تخطف الأبصار بيافطاتها وقوانينها.
شعب قد يصل إلى مليونين إنسان يعيشون في اصغر بقعة ارض نسبة لعدد السكان لتكون الأكثر ازدحام بالعالم إنها
"غزة " التي تحررت من براثن الاحتلال بعدما أثخنت المقاومة به وبجيشه المهزوم ففر هاربا بليل دامس تاركا غزة وهمومها لأهلها وللسلطة التي كانت تسيطر عليها.
انتخابات شرعية نزيهة جعلت من المقاومة حاكما لها هكذا كانت نتائج الصندوق الانتخابي , لتضع غزة وشعبها أمانة في أيدي المقاومين الشرفاء, الذين باعوا أرواحهم رخيصة لله ثم الوطن, قلبت الدنيا رأس على عقب وظهرت سوءات الاحتلال الظاهرة, لكنها أسقطت الأقنعة عن دعاة الديمقراطية والعدالة ليتشارك الجميع بحصار لم يشهد له العالم مثيل في قبحه وشدته وعنفه.
حصار يصيب بالدرجة الأولى أطفال, ونساء, وشيوخ مرضى, وطلاب جامعات وأصحاب أعمال, حصار يعاني منه كل بيت فلسطيني في غزة بكافة مناحي الحياة اليومية يصل للكهرباء للماء للعلاج لأبسط الحقوق الإنسانية التي تشرعها القوانين السماوية بكافة أديانها و القوانين الأرضية بكل تشريعاتها .
إن ما يثير الاستياء هو مشاركة الأهل والخلان بهذا الحصار لحساب الاحتلال بل بات الأهل في فترة ما يعملون على حصار غزة وشعبها أكثر بكثير من الاحتلال نفسه, رغم كل المناشدات والتوصيات والدعوات وما صدر عن جامعة الدول العربية ووزراء خارجيتها بضرورة رفع الحصار الفوري عن قطاع غزة!!
بقيت القرارات في أدراج الجامعة العربية التي تتكدس بها أي متعلقات بالقضية الفلسطينية وشعبها ليغطيها غبار السنين ويبقى الحال الفلسطيني على ما هو عليه, من آلم وموت بطيء وهدم لكافة القطاعات الأساسية بشكل متعمد مع سبق الإصرار والترصد بقتل كل ما هو فلسطيني بقسوة بالغة, دون أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية مهملة بل محطمة لكافة الروابط الدينية والقومية بيننا وبين أهلنا وأشقاءنا العرب!!
معبر مغلق بوجه الإنسان الفلسطيني, النافذة الوحيدة له على العالم الخارجي, لمن يحتاج للعلاج عليه الموت منتظرا على أبواب المعبر التي اختار أصحابه أن يكون لون أبوابه سوداء, لمن يرغب بالمغادرة للعمل أو العودة لمكان معيشته في إحدى الدول عليه أن يفقد كل شيء ويصبح بلا شيء ليبقى سجين في غزة خلف أسوار معبر يغلق بوجه الإنسان الفلسطيني, طلاب جامعات لم يتبقى على نهاية مسيرتهم التعليمية سوى أشهر أو سنة أو أكثر يفقدون كل جهودهم ومثابرتهم لتذهب أدراج الرياح ليصبح الفلسطيني من هؤلاء الطلاب إنسان محطم بل أشلاء وبقايا إنسان!!
يقولون عبر الإعلام المعبر مشرعة أبوابه أمام الحالات الإنسانية!! ومن منا ليست هو حالة إنسانية بحصار مستمر منذ تسع سنوات ؟
يتكدس أصحاب الحالات الإنسانية التي ينطبق عليها مواصفات الجانب المصري, فإذا بشبكة الحواسيب تتعطل قبل دخول فلسطيني واحد!! وهكذا تستمر المعاناة بل تضاف إليها العديد من أساليب القهر لقلب الفلسطيني الذي يعطونه جرعة من أمل سرعان ما تقابلها جرعات من يأس وإحباط وخيبة أمل!!
لا ندري أي جرم ارتكبناه, أي ذنب اقترفته أيدينا بحق مصر وشعبها, بل بحق العالم العربي والغربي, أي جريمة نفذها أطفال غزة ونسائها وشيوخها كي نقتل بصمت مجحف بإصرار لا يمكن استيعابه.
يا حكومة مصر ويا شعب مصر: نعلم ما انتم به ونقدر لكم ذلك ولكننا لسنا ممن يعيق أمنكم ويؤثر على حياتكم, لسنا سوى عابرين سبيل في بلادكم ننطلق من خلالها إلى العالم الخارجي بعيدا عن السجن والسجان, بعيدا عن مستشفيات لا علاج فيها ولا حبة دواء, ولبيوت لا ضوء يبدد ظلمة لياليها, بعيدا عن بلد فقدت كل مصانعها نبحث عن عمل نقتات منه وأسرنا في بلاد الله الواسعة.
لا نهرب من غزة وفلسطين فهي عمقنا وهويتنا, لكننا نريد العيش بسلام كباقي الشعوب الأخرى على الكرة الأرضية, نريد أن نسعى بالأرض ولا نغفل عن مقاومة المحتل لنحرر الأوطان .
إن ما يحدث من حصار جائر لهو أمر شائن ومعيب في جبين كل من يشارك الاحتلال به, ضد شعب يسعى لان تكون أرضه حرة طاهرة من دنس الاحتلال, حصار يخالف كافة الأعراف, ولا يليق بحكومة عربية كانت أم غربية لتكون مع الاحتلال فيما يسعى إليه من قتل للإنسان الفلسطيني, بل لقتل كل الحياة ومناحيها ثم يدعون أنهم حماة لحقوق الإنسان وينضمون للمؤسسات الدولية ويوافقون على ما بها من قوانين تمنع حصار الشعوب وتجويعها!!
أي تاريخ هذا الذي ستسجل صفحاته مواقفكم لتكون اسطر سوداء تلحق بأجيالكم العار وتشعرهم بالخجل تجاه الشعب الفلسطيني وأجياله القادمة.
لا مجال للصبر الطويل فلم يعد الأمر مقبولاً, وأخشى أن تنقلب الطاولة فيصبح من يحاصرنا اليوم نادم على ما اقترفت يداه بحق الشعب الفلسطيني, فانفجار غزة بات وشيكا ينفث دخانه الحارق بإشارة إلى قرب الانفجار حيث لا قدرة لنا ولا لأحد بالتكهن بما سيحدث وبأي اتجاه سيكون سير حمم البركان الغزي!!
لسنا بصدد تهديد احد إنما نشير إلى ما وصلت إليه حال غزة وشعبها, ومخطئ من يعتقد أن كثرة الضغط على غزة وشعبها سيولد انفجار ضد "حماس ومقاومتها" فهذا وهم راهن الاحتلال عليه ومن معه منذ سنوات وكانت النتائج دوما معاكسة لكل أحلامهم وأمنياتهم.
يا أصحاب الضمائر الإنسانية التي لازالت تتنفس وتنبض بالحياة غزة كالإسفنجة تمتص كل شيء من الآهات بقدرة عالية بينما حتما سيكون نهاية الامتصاص أن تسيل على كل من لامسها بسوء.
كفى أن تقبلوا على أنفسكم بوصفكم وحوش الإنسانية ضد شعب اعزل إلا من الكرامة والعزة, شعب لا يقبل الضيم ويرفض الذل وان كان في لقمة العيش وحبة الدواء.
يا أحرار العالم غزة تستصرخ ضمائركم وإنسانيتكم بوضع حد فوري لما تتعرض له من حصار بشع فمن يصمت اليوم عن حصار غزة هو شريكا بجريمة قتل الشعب الفلسطيني مع سبق الإصرار والترصد!!!

محمد فايز الإفرنجي