في ذكرى رحيل المناضل الوطني عبد الله الحوراني

بقلم: نعمان فيصل

يعتبر المرحوم عبد الله الحوراني واحداً من أبرز الشخصيات الفلسطينية القومية الطابع، وهو من أوائل القوميين العرب الذين ظهروا في الخمسينيات من القرن الماضي.

ويشهد له أحد تلامذته، وهو الدكتور إبراهيم شاهين بأنه أول مَن عرَّفهم بالقضية الفلسطينية، حيث كان – رحمه الله - يجتمع بطلبته في ساحة المدرسة، ويؤطر لهم الأحداث التي مرت، وتمر بها القضية الفلسطينية، ويشهد له أيضاً بأنه كان يقود المظاهرات الوطنية، ويهتف ضد الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على أرض فلسطين، فيثير في طلبته روح النضال والوطنية، ويتبعونه أينما توجه، وقد كانت حياته كلها مكرسة لخدمة قضية الشعب الفلسطيني اللاجئ وإصراره على حق العودة المقدس للاجئين، والذي لا يساوم عليه، ولا يمكن أن يخضع لمفاوضات أو تنازلات. ولهذا، فقد قدم استقالته من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد أن عرف أن قضية العودة للاجئين لم تعد قضية رئيسية في مفاوضات أوسلو، وظل حق العودة للاجئين مصطلحاً عائماً يخضع لتفسيرات عدة.

وحسبه تعريفاً أنه كما قال لي أثناء زياراتي المتكررة له في مكتبه بمركز الدراسات والتوثيق: (إن عائلتنا هي المؤسسة لقرية المسمية الصغيرة في قضاء غزة، وإن أصلنا من منطقة حوران السورية، من عشيرة المحاميد التي ترجع إلى قبيلة كندة).

فالأستاذ عبد الله عبد الهادي الحوراني مولود في قرية المسمية عام 1936، ودرس المرحلة الابتدائية في قريته، وأكمل دراسته الثانوية في مدرستي: الإمام الشافعي وخان يونس في قطاع غزة، ثم حصل على ليسانس الآداب في اللغة العربية من جامعة دمشق عام 1964.

بدأت تجربته النضالية في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي في التصدي لمشاريع توطين اللاجئين، ثم ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم لقطاع غزة عام 1956، واعتقل لفترة وجيزة. وتزوج عام 1961 من السيدة صباح محمود الحوراني.

عمل مدرساً في مدرسة خان يونس، ثم مديراً لمدرسة أحمد عبد العزيز في مخيم اللاجئين في خان يونس، وبسبب نشاطه السياسي في قيادة حزب البعث أُبعد من قطاع غزة في 13 سبتمبر 1963، وعمل في دبي في مجال التدريس مدة سنتين (1963-1965)، ثم أُبعد منها لنشاطه السياسي أيضاً، فانتقل إلى سوريا، وعمل في حقل الإعلام فيها، وكان مديراً عاماً لهيئة الإذاعة والتلفزيون، ومديراً عاماً لمعهد الإعلام أيضاً.

التحق بالثورة الفلسطينية كعضو في المجلس الوطني عام 1969، ثم عمل منذ عام 1973 مديراً عاماً لدائرة الإعلام والتوجيه القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم عضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة خلال الفترة (1984-1994)، ورأس وأسس الدائرة الثقافية في المنظمة، وأشرف على كل الأنشطة الثقافية الفلسطينية. عارض أوسلو، واستقال من اللجنة التنفيذية لذلك، واستمر في رئاسة اللجنة السياسية للمجلس الوطني الفلسطيني، وأصدر مجلة (بيادر) الفلسطينية، وأشرف عليها في القترة (1988-1993).

ويعتبر الحوراني من المناهضين للعدوان على العراق واحتلاله، وقاد اللجنة الشعبية الفلسطينية لنصرة الشعب العراقي، كما ربطته علاقة حميمة مع الرئيس الشهيد صدام حسين. أسس ورأس المركز القومي للدراسات والتوثيق في غزة، وكتب مقالات سياسية وثقافية، ونشرها في الصحافة المحلية والعربية .

ومن مؤلفاته: (اللاجئون إلى أين؟ – غزة – 1999)، (التحالف الغربي الصهيوني ضد الأمة العربية – غزة – 1998)، (التطبيع الثقافي وأثره في الصراع العربي الصهيوني- المركز القومي للدراسات والتوثيق بغزة – 1999)، (فلسطين في حياة جمال عبد الناصر – المركز القومي للدراسات والتوثيق بغزة – 2009)، (فلسطين في حياة صدام حسين – 2010)، (عبد الله الحوراني يتذكر - مذكرات – مخطوط)، (الأعمال الكاملة للحوراني – مخطوط - وستتضمن جميع مقالاته الخاصة بفلسطين والعراق ورؤيته للوضع العربي).

يعتبر عبد الله الحوراني من أهم المختصين بقضية اللاجئين، والمدافعين عن حق العودة، والنموذج السياسي الفلسطيني والعربي الذي يقرأ خارطة الأشياء جيداً.. ولذلك، فإن مواقفه وقراءته تشكل مرجعية اطمئنان للناس الباحثين عن الحقيقة وسط هذا الركام من الخراب الهائل.

ومن أقواله: (إن استيعاب السياسي لدور المثقف وفهمه على هذا النحو، يخلق علاقة تكاملية بينهما، ولنا أن ندلل على ذلك بما نلحظه من انسجام في مناخ العلاقة بين السياسي والثقافي على الصعيد العربي كلما أظهر الأول علائم الصلابة التفاوضية، وابتعد بمسافة كافية عما يعتبره الثاني تفريطاً غير مبرر في الحقوق. بل إن الدليل يبدو أكثر وضوحاً في حالة التأييد الجماهيري للحاكم أو المسؤول السياسي كلما اقترب بأطروحاته وأفعاله من الأهداف الوطنية والقومية للأمة وتمسك بها).

توفي يوم الاثنين 29 تشرين الثاني 2010م في العاصمة الأردنية عمان، ونعته السلطة الفلسطينية على لسان الرئيس محمود عباس، وتقديراً لجهوده الطيبة أُطلق اسمه على المركز القومي للدراسات والتوثيق الذي أسسه، ليصبح (مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق)، ومنحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسام نجمة الشرف الفلسطيني، وخلف أربعة أبناء هم: (منيف، عمرو، معتز، خالد).

بقلم/ نعمان فيصل