بكل وقاحة وقف وزير خارجية الإدارة الأمريكية جون كيري في القدس المحتلة , ليشن هجوم على شهداؤنا الأبطال الذين قضوا برصاص الإحتلال , ويصف أعمال مقاومتهم بـ " الإرهاب " في تساوق مع الراوية الصهيونية, وهذه عادة الإدارة الأمريكية أن ترى كل ما يحدث في فلسطين المحتلة بالعين الصهيونية ,ويبارك كيري عمليات القتل والإعدام الميداني للفتيات والأطفال الفلسطينيين التي ينفذها المحتل بحجة الدفاع عن النفس , معايير كيري اللاأخلاقية تسمح للجلاد أن يستمر بالقتل وتشرعن جرائمه , وفي نفس الوقت تحرم الضحية من الدفاع عن نفسها بل تجرم مقاومته وتصفها بالإرهاب , هذه هي الرؤية الأمريكية للواقع في فلسطين المحتلة , لذا من الطبيعي أن تكون مخرجات أي لقاء مع المسؤولين الأمريكيين تثير الغثيان والسخط , هذا هو الوسيط الأمريكي الذي يثبت كل يوم وعلى مدار أكثر من عشرين عاماً من المفاوضات على عدم نزاهته وحياديته , الا أن المفاوض الفلسطيني لازال يرى فيه الوجهة للشكوى ضد الإحتلال , أو إستجداء دولة بحدود منقوصة وبلا سيادة هي في جوهرها تأكيد الإعتراف بالإحتلال وكيانه المزروع بقوة السلاح والإرهاب على أرض فلسطين .
تصريحات كيري تكشف عن العلاقة العضوية مع كيان الإحتلال , فعندما يعزي كيري في قتلى الإحتلال من الجنود ويتصل بذويهم , بل ويتحدث عنهم في مؤتمره الصحفي وكأنهم ضحايا أبرياء, وهم الذين يمارسون الإرهاب على الحواجز وضد المدنيين الفلسطينيين , والأخطر أن يعلن كيري أنه جاء ليبحث مع نتانياهو العمل المشترك لهزيمة "الإرهاب والعنف" والمضي قدما لإستعادة الهدوء, ألا يدري كيري بأن الإرهاب هو صناعة أمريكية , وأن وجود كيان القتل والإجرام الصهيوني على أرضنا المحتلة هو قمة الإرهاب الذي يمارس على شعبنا برعاية ودعم أمريكي , لقد أصبح المشهد أكثر وضوحاً فلم يعد الحديث عن حل الدولتين قائم , إلا في ذهن الرئيس عباس وفريق المفاوضات , فلقد دمر نتانياهو أي إمكانية عملية لتلك الحلول التي ينادي بها البعض , فالإحتلال يواصل إستيطانه وتكشف المعطيات الإحصائية أن عمليات الإستيطان في الضفة المحتلة زادت بمعدل 40 % في العام الحالي 2015م , إلى جانب تضخم المستوطنات الكبيرة في الضفة تحت ذريعة النمو الطبيعي كما يبرر الإحتلال في سنوات التسوية إستمرار الإستيطان تحت عين المفاوض الفلسطيني .
بعد هذا المشهد الموغل في الإنحياز للمحتل , والذي لم يخجل منه جون كيري , يجب على الرئيس عباس وقيادة السلطة التوقف عن المراهنة على الدور الأمريكي , وتنفيذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير في مارس 2015م بوقف التنسيق الأمني , وليتحمل الإحتلال تبعات إحتلاله , وليترك الشعب يقود انتفاضته , ولترفع القبضة الأمنية عن مساحات العمل العسكري وتشكيل لجان الحماية الشعبية في الضفة , فلم يعد للمقولة التي ترفعها السلطة "سلاح واحد" مجدية في ظل جرائم الإحتلال ومستوطنيه , حيث أن السلاح الواحد للأسف لا يدافع عن شعبنا في مدن وقرى وشوارع الضفة , إذن فليترك شعبنا الفلسطيني ليتسلح من أجل مواجهة العربدة الصهيونية .
مسار التسوية أثبت فشله , ولا يمكن الإستمرار فيه , ويجب البحث عن بدائل وطنية لإعادة الإعتبار للقضية الفلسطينية , التي هي في حقيقتها قضية تحرر من إحتلال بغيض , ولا يمكن لفلسطيني حر أن يتساوق مع مقترحات كيري بالهدوء , أو أن يقبل تسهيلات نتانياهو على أنه بادرة حسن نية بعد أن أوغل جيشه في دماء شعبنا , فالشباب الفلسطيني قد إتخذ قراره بالإنتفاضة , وهو يمضي بثبات ويسجل يومياً حضوره بالدماء الزكية , ليكتب حروف فلسطين التي يحاول المحتل محيها وتسعى أمريكا إلى تفتيتها , فنحن كفلسطينيين يتوجب علينا أن نكون أكثر وعياً وإدراكاً لحجم المؤامرة وقساوة المشهد الوطني, الذي يحتم علينا إعلاء قيمة الوحدة الفلسطينية كمسار لحشد الطاقات السياسية والجماهيرية والعسكرية الفلسطينية في معركة التحرير والإستقلال , والسعي لتشكيل جبهة عربية ودولية مناصرة للحق الفلسطيني ومشروعنا التحريري , ولن يكون ذلك إلا بعد إنهاء الإنقسام الفلسطيني بشكل جدي وحقيقي , وتشكيل الإطار القيادي للمنظمة وإشراك الفصائل الفلسطينية الفعالة (حماس , الجهاد ) في قيادة المنظمة , والتوافق على برنامج وطني بإمتياز قائم على إسترداد الوطن وتحقيق العودة للفلسطينيين في مخيمات اللجوء خارج فلسطين, والإقرار بحق شعبنا في إستخدام كافة الوسائل والخيارات وفي مقدمتها الكفاح المسلح في مواجهة الإحتلال لإزالته عن أرضنا الفلسطينية , خيارنا الوحدة هي ملاذنا وحصننا وخلاصنا , وضربات مقاومتنا خير جواب للمحتل , والأوطان لا تحرر الا بالقوة , والحرية تنتزع ولا توهب , والوطن يحتاجنا جميعاً , فهل نكون على قدر المسؤولية الوطنية ؟ .
بقلم/ جبريل عوده