هي المرة الاولى منذ اواخر العام 2014ومنذ ان تبني رعاية مفاوضات فلسطينية اسرائيلية لمدة 9 شهور وباءت تلك المفاوضات بفشل زريع انعكست اثار ذلك الفشل على مجمل المشهد السياسي في المنطقة برمتها ,واليوم وبعد تصاعد هجمة الاحتلال الاسرائيلي على الفلسطينيين و وصول الامور الى مرحلة المواجهة الحالية والتي يعتقد البعض انها حالة تتمثل في مواجهة قد تكون قصيرة مع الاحتلال , هذه المواجهة التي جاءت كنتيجة طبيعية لحالة اليأس الشديد التي اصابت الفلسطينيين وحولت املهم في حياة حرة كباقي شعوب العالم الى مستحيل في ظل الاحتلال وامر بالغ الاستحالة مع وجود مستوطن واحد في الضفة الغربية , لم يتنبأ كيري ولا غيرة بهذه المواجهة لان كيري منشغل عن المعاناة الفلسطينية ولا يفكر فيها , ما جعله اليوم يتحرك ويأتي الى لقاء القيادة الفلسطينية هو حرصة الشديد بان لا تتطور الانتفاضة الحالية وتسبب شلل تام لحياة الإسرائيليين في كل مكان وخاصة المستوطنين الذين يعيشوا بالضفة الغربية والقدس .
لم يتوقع احد ان يأتي لقاء الثلاث ساعات في رام الله مع القيادة الفلسطينية بنتائج ايجابية , مع ان هذا اللقاء كان من اهم اللقاءات التي تصدرت العمل الدبلوماسي الفلسطيني في الآونة الاخيرة , ليس لان كيري جاء بخطط سياسية لحل الصراع وتطبيق حل الدولتين وانهاء الاحتلال بل لان اللقاء كشف وجه كيري المنحاز تماما لإسرائيل وكشف ما تبقي في جعبة الولايات المتحدة الاميريكة بشان العملية السلمية ,كيري التقي القيادة الفلسطينية وبدلا من ان يسلمهم رد الادارة الاميركية على أسئلة القيادة المحددة بشان التزام اسرائيل بالاتفاقيات الموقعة بين الطرفين وقبول إسرائيل بحل الدولتين وانهاء الاحتلال الاسرائيلي سلمهم تحذير إسرائيل من استمرار الهبة الشعبية وتحذير واشنطن من بقاء القيادة الفلسطينية صامتة دون اي محاولات لوقف تلك الهبة المتصاعدة , والمقابل بالطبع بعض التسهيلات الاقتصادية والامنية الكبيرة التي حملها كيري في لقاءه الاخير مع نتنياهو في واشنطن قبل اسبوعين ونقلها اليوم بالتالي الى القيادة الفلسطينية.
لقد كشف كيري اليوم عن اهم حقيقة سياسية تضع الفلسطينيين امام خيارات سياسية اخري و الحقيقة ان واشنطن لم تعد راعي نزيه و حيادي للعملية السلمية ولا يمكن للفلسطينيين البقاء على امريكا وحدها ان لم يتغير موقف واشنطن في القريب من الصراع , لذا بات هاما اليوم ان لا تكترث القيادة الفلسطينية من غضب الادارة الامريكية ولا تكترث من ارتفاع وتيرة التهديد الاسرائيلي مرة بشن عمليه واسعة في الضفة الغربية من اجل وقف الانتفاضة حسب ما دعا الى ذلك وزير البناء الاسرائيلي "يؤاف غالنت" ولا تكترث بكل اجراءات المجلس الوزاري المصغر الذي يهدد بقطع الانترنت واغلاق تلفزيون فلسطين والاذاعات المحلية بل يجب العمل على تحريك مزيد من الملفات الفلسطينيين واولها تطبيق ما جاء في توصيات اللجنة السياسية المنبثقة عن اللجنة التنفيذية والتي اقرت بوجوب تنفيذ كافة توصيات المجلس المركزي الفلسطيني الصادرة في 6 مارس 2015 حول انهاء العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي و وقف التعامل بالاتفاقيات الموقعة ما دامت سلطة الاحتلال تمارس كل موبقات الاحتلال ولا تنوي في المنظور القريب ولا البعيد التخلي عن الاحتلال الاسرائيلي و وقف الاستيطان ,والهام هنا ان تحمل القيادة الفلسطينية كل مسؤوليات وتبعيات استمرا الاحتلال الاسرائيلي لإسرائيل , وهنا يجب ان تفهم اسرائيل ان احتلالها بات بثمن ويجب ان تدفع هذا الثمن عن كل يوم يستمر فيه الاحتلال و تستمر فيها مخططات الاستيطان والتهويد وانتهاك حرمات المقدسات الاسلامية والمسيحية ليس في القدس وانما في سائر الارض المحتلة .
لم يعد امام القيادة الفلسطينية اي فرصة للبقاء في مربع وعدوات واشنطن التافهة والتي لا تخرج بكثير عن ما يقرره الاحتلال لان الواضح ان واشنطن اضاعت كل الفرص وهي تحمي مصالح الاحتلال وباتت وكيل الاحتلال الرسمي وكيري بات منسق سياسي يعمل لدي إسرائيل و خدمة اللوبي اليهودي في واشنطن , ما بات امام القيادة من خيارات تتطلب مزيد من خطوات النضال الدبلوماسي لانتزاع قرار يوفر الحماية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والعمل ضمن منظومة عربية ودولية لانتزاع قرار من مجلس الامن باي ثمن لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي و يعطي الفلسطينيين الحق في تقرير المصير دون تدخل في ذلك بل برعاية دولية تضمن الاستقلال الفلسطيني تقام على اساسة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية , ولكي تتوفر الارادة الدولية لذلك وتبقي القضية الفلسطينية على سلم الاهتمام الدولي والشعبي لابد وان تستمر المواجهة مع المحتل و مستوطنيه في كل مكان على الارض ولا بد من توفير كل عوامل الحماية و البقاء للهبة الشعبية الفلسطينية باعتبارها اسلوبا مقاوما مشروعا لفضح الاحتلال وكشف مخططاته للعالم ونيل التعاطف الدولي والشعبي الواسع
بقلم/ د. هاني العقاد