بعد أن فرغت المجندة من أسئلتها المتتابعة التي لا معنى لها سوى رغبتها في التأكيد على أنها تمتلك مفتاح معبر الكرامة، وهي صاحبة الحق الحصري في السماح لي بالسفر أو اجباري على العودة من حيث أتيت، وضعت الختم على جواز السفر وأطاحت به أمامي، التقطته دون أن اشكرها لأنها سمحت لي بمغادرة وطني، كنت أتمنى أن اطرح عليها سؤلاً واحداً في مقابل أسئلتها: من أي البلاد جاءت؟، لكل من العاملين في الصالة سحنته الخاصة التي تكشف عن أصولهم العرقية المتباعدة، كأن السؤال تحول إلى قنبلة انشطارية تفجرت بأسئلة لا حصر لها في انتظار الحافلة التي ستقلنا إلى الصالة الأردنية في معبر الكرامة.
لم يوقف تدفق الأسئلة سوى ذلك الحوار الذي بدأ يأخذ مساره بين شاب غاضب من سلوك السلطة الفلسطينية وسيدة حاولت قدر المستطاع تهدئة ثورة غضبه دون جدوى، بدأ الشاب حديثه بهجوم حاد على مكونات السلطة ووصل به الحال للتشكيك في قدرتنا على بناء دولة تتمتع بالحد الأدنى من الشفافية والمحاسبة، حاولت السيدة أن تسترجعه لأمتار قليلة كان غادرها قبل قليل ما زال من يتحكم فيها يمسك بزمام الكثير من أمورنا، رفض الشاب منطق السيدة الذي يحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة، تخلى الشاب وسط ثورة غضبة عن لباقة الحوار منوهاً بأنه لا يطيب له سماع مفردات التبرير الواهية، أبقت السيدة ما تبقى لديها من كلمات في باطنها مستندة ظاهرياً على وصول الحافلة.
ليس الجديد في حديث الشاب ما حمله من نقد لاذع لأداء السلطة الفلسطينية، بل في مشاعر الغضب التي تملكته ودفعته لخانة مقارنات ما كان له أن ينزلق إليها، لكنها بالمؤكد تؤشر لحالة سخط لا يمكن تجاهل مسبباتها، المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية غاضب من سوء أداء السلطة الفلسطينية، ولا يجد في غضبه هذا مساحة فاصلة بين السلطة وحركة فتح، وهو غاضب أيضاً في قطاع غزة من أداء حركة حماس التي تتعرض هي الأخرى لانتقادات غاضبة لا تقل عن تلك التي حملها الشاب على السلطة، إن حاول البعض تجميل الصورة لا تلبث أن تكشف نتائج استطلاعات الرأي عن الحقيقة المجردة التي نحاول إخفائها.
ما يهم الكثير منا في استطلاعات الرأي هو عقد مقارنة بلهاء في هامش الفارق في التأييد الشعبي لحركتي فتح وحماس، لا نتوقف البتة عند التراجع الكبير في تأييد كل منهما، نتائج استطلاعات الرأي التي أجراها مؤخراً مركز العالم العربي للبحوث والتنمية "أوراد" كشف عن تلك المساحة الضبابية الآخذة بالإتساع، حيث أشار الاستطلاع إلى تدني نسبة التأييد لكل من حركتي فتح وحماس، بمعنى أن أي منهما لم يستفد من أخطاء الآخر، ولعل الصادم أكبر في نتائج الاستطلاع هو الشق المتعلق بعلاقة الفصائل بالهبة الشعبية في الضفة الغربية التي يحاول كل فصيل إمتطاء صهوتها، حيث أبدى 68% من المستطلعة أرائهم بأنهم لن يشاركوا في اي مظاهرات ضد الاحتلال إن دعت لها حركة حماس، فيما صرح 64% بأنهم لن يشاركوا في مثل هذه المظاهرات في حال دعت لها حركة فتح.
ألا يسترعي ذلك إجراء مراجعة معمقة نعالج من خلالها التصدعات التي أصابت منظومة المنهج والعمل؟، ألا يكفي ذلك لأن نطلب من المهللين والمطبلين أن يعيرونا قليلاً من الصمت سيما وأن تجميل الواقع ليس بإستطاعته أن يحجب شيئاً من الحقيقة؟.
بقلم/ د. أسامه الفرا