"تواضروس" والإمارات عرب ضد التطبيع

بقلم: فايز أبو شمالة

لا يمكن الجزم بأن زيارة الأنبا "تواضروس الثاني" لمدينة القدس المحتلة تمثل تحولا ًجوهرياً في مزاج الشعب المصري خاصة، وفي مزاج الشارع العربي بشكل عام، ولاسيما مع تواصل العدوان الإرهابي الإسرائيلي على الأمة العربية والإسلامية، هذا ما كشفته استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، حيث أظهرت النتائج أن إسرائيل هي أكثر الدول عداوةً لمصر، فقد حصلت على 88 نقطة، تليها الولايات المتحدة الأمريكية التي حصلت على 37 نقطة.
لقد حاول الأنبا تواضروس جاهداً أن يبرر زيارته للقدس من خلال فصلها عن السياسة، وربطها بأسباب رعوية لا هدف لها إلا تقديم واجب العزاء فى رحيل مطران القدس الذى تعلم على يديه، وهو في هذه الحالة يؤكد أنه لما يزل يسير على طريق الأنبا شنودة الذي رفض زيارة القدس طالما هي واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، بل ذهب الأنبا تواضروس إلى رفض التطبيع مع العدو الإسرائيلي من خلال رفضه الدعوة التي وجهها إليه السيد محمود عباس لزيارة رام الله، لقد أبي الرجل العربي القبطي أن يكون مطية سياسية لأحد، ورفض أن يكون أول الأقباط المطبعين مع العدو الإسرائيلي، حيث لم يلتق بأحد من اليهود، وظل على موقفه من أسباب الزيارة، مراعياً بشكل عام لمزاج الشعب المصري الرافض للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، ولاسيما أن الأنبا تواضروس هو صاحب مقولة (وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن)
ورغم التبرير السابق، ورغم محاولة الربط الوثيق بين الزيارة والأسباب الإنسانية، إلا أن الشعب المصري العظيم قد جدد رفضه لزيارة الانبا تواضروس لإسرائيل، وصدرت بيانات الشجب للزيارة عن عدة قوى وطنية مصرية، ومن قوى شعبية ومن كتاب رأي أقباط، وسط غضب سياسي وشعبي عارم في مصر، اعتبر الزيارة كسراً لقرار المجمع المقدس في مارس/آذار 1980، بمنع زيارة المدينة المقدسة رفضاً للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وفي سياق التطبيع نفسه، أكدت الإمارات العربية المتحدة على عدم وجود أي تغيير في موقفها من إسرائيل، وأزعم أن هذا النفي الإماراتي الرسمي للتطبيع مع إسرائيل فيه احترام لمزاج الشعب في الإمارات العربية، الذي تأبي كرامته أن يعترف بإسرائيل، ويصر على اعتبارها جسما ًغريباً عن المنطقة العربية.
لقد جاء تصريح مديرة إدارة الاتصال بوزارة الخارجية الإمارتية عن عدم وجود أي تغيير في علاقة الامارات مع إسرائيل، لقد جاء التصريح ليفند الكذبة الإسرائيلية عن وجود تحالف بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وجاء التصريح ليؤكد على وحدة حال الشارع العربي الرافض لوجود إسرائيل؛ فالإماراتي كالقطري كالسعودي كالمصري كالجزائري والمغربي والسوداني والتونسي واليمني، جميعهم يرفضون وجود إسرائيل، ولما تزل قواهم الوطنية فاعلة، ومؤثرة وقوية، وقادرة على التصدي لكل اختراق إسرائيلي للعداء المتأصل في النفوس الأبية.
لم يبق في هذه اللوحة العربية الناصعة بالشرف، والرافضة للتطبيق مع إسرائيل إلا نقطة سوداء واحدة، تمثلت بدعوة رئيس السلطة الفلسطينية للأنبا تواضروس لزيارة رام الله، وكان الأجدر برئيس السلطة الفلسطنيية أن يشجب هذه الزيارة، أو ان يصمت على أقل تقدير، ولاسيما أن هذه الزيارة تأتي في لحظة مصيرية يراق فيها الدم الفلسطيني في شوارع القدس، وتعربد رصاصات الغدر الصهيونية في باحات المسجد الأقصى وفي صدر الصبايا الفلسطينيات.

د. فايز أبو شمالة