الانتفاضة الشعبية الفلسطينية وليدة أزمة مستعصية ... وانقاذا لأزمات عاصفة وعميقة... تشهدها الساحة السياسية الفلسطينية نتاج عوامل عديدة ... واسباب لا زالت قائمة ومتفشية داخل المشهد... وعلاقات داخلية لا زالت تراوح مكانها... وتعصف بأحوالنا... وتهدد مستقبل قضيتنا في ظل انقسام لا يرحم... يفتت ولا يوحد... يشتت طاقاتنا ...ويبعثر امكانياتنا ... ويخلط ما بين افكارنا ومعتقداتنا ويجعل من اعلامنا ... اعلام لا زال يراوح مكانه... ويشتت طاقاته... في ظل خطابات متعددة ...وصياغات مختلفة ...واهداف ما زالت تتباعد وتتقارب ما بين حين واخر .
أزمتنا العميقة ... سلطة ... وفصائل ... والكل يعيش أزمته بطريقته الخاصة ... محاولا الاخفاء تارة ... والتوضيح تارة اخرى ... والكل يعمل بقدر ما يمتلك من ارادة ونوايا للخروج بما يستطيع ... وبما يمتلك ... من هذه الأزمة العميقة .
حاول الجميع الخروج من الأزمة بطرق عديدة ووسائل متعددة ... لكنها لم تكن وفق حسابات دقيقة ... فجاءت النتائج... بعكس ما اراد صانعي الأزمة .
اذا ما سلمنا ان المشهد السياسي الفلسطيني في أزمة ... وربما نجد من يعترض على أننا بأزمة ... لكنها الحقيقة ...ومن منطلق الوعي والعدل بحقيقة الأمور ...أن نبدأ تفكيرا عميقا وجذريا ووفق اليات وطنية محسوبة... وبعيدا عن المكابرة والغرور ... لنتحدث بصراحة الأزمة وتجلياتها وبما نحن عليه ... سيؤدي بنا الى نتائج ... تفرض علينا ما يمكن أن يطرأ على المشهد من ملامح السيناريو الأخير .
جاءت الانتفاضة الشعبية ... انقاذا لكافة الواقعين بأزماتهم ... ووبالا ونكبة على الاحتلال الجاثم على صدورنا ... والذي يحتار في كيفية ادارة أزمته ... في ظل فعل نضالي شبابي غير مخطط ... وغير منظم ... مما صعب أمنيا كيفية التعامل مع فعاليات الانتفاضة .
الانتفاضة وقد جاءت انقا ذا لأزمة كنا نحاول اخفاؤها ... والتستر عليها ... والمكابرة من أجل عدم الافصاح عنها أو تناولها مما أكد مدى القصور ... وضعف الرؤية الذي انتاب الحالة السياسية الفلسطينية ... تلك الحالة التي فقدت توازنها ... برغم كافة الانجازات السياسية التي تحققت... والتي لا يجوز التنكر لها ... برغم كافة الأفعال النضالية التي تجسدت بفعل مقاومة شعبنا وفصائله ... انجازات قد تكون محسوسة وملموسة ... وقد لا تكون كذلك ... الا انها بالمجمل ... لا تعبر عن نتاج وطني جامع يحدد لنا طريقنا ... ويحدد لغيرنا أسلوب التعامل معنا .
حالة يصعب فهمها ... كما ويصعب ادراك ابعادها ... في ظل عجز واضح وخلل بين ... وكأن القوى السياسية قد أصابها جمود وتكلس ... وفقدان لقدرة اتخاذ الخطوة الجامعة ... بعيدا عن التفرد والانفراد ... خطوات تجمع بيننا لتحقيق فعل موحد لم نرى ملامحه والياته ... وحتى نتائجه حتى اللحظة ... وكأن تلك القوى بحالة انتظار... وترقب ...لمعرفة أين ستصل الأمور ؟ وأين ستكون النتائج ؟ في ظل غياب الرؤية ... واشتداد الرياح والعواصف ... وحتى يمكن تجاوز الخسائر التي يصعب تحملها .
سياسة ... انتظار ... ترقب ... ومحاولة الإيحاء أن الجميع داخل الانتفاضة وعلى رأسها ... وفي صلب فعالياتها ... مع أن الحقيقة أن الأغلبية منظرين لها ... وعاملين على تغطية فعالياتها ... وتعداد عدد شهدائها وجرحاها وأسراها ... واطلاق التصريحات حولها ... ودعم الشباب المنتفض لاستمرارها باعتبارها خيار الانقاذ ... والمخرج من الأزمة ...والحل السحري ... لحالة الجمود والتكلس التي أصابت مفاصل العمل التنظيمي للقوى والفصائل ... مما يهيئ لنا احتمالية أن تشكل الانتفاضة الشعبية مخرجا لكل تلك الأزمات ... ومدخلا لإيجاد الحلول للمشاكل المستعصية... لطبيعة العلاقات القائمة... ما بين القوى التي أثقلتهم حالة الوحدة والاتفاق والتوافق وما ترتب... من فقدانهم للكثير من جماهيريتهم الغاضبة... نتاج أسباب عديدة ... لا زالت تلك القوى لا تدركها ... ولا تعمل حسابها ... ولا تستخلص عبرها ودروسها المستفادة .
الأزمة لا تتوقف عند حدود الفصائل ... لكنها تدخل في صلب الموقف السياسي والحالة العامة للسلطة الوطنية ... والتي تجد بالانتفاضة الشعبية ... وبهذا المستوى القائم ... عاملا مساعدا لاستمرار التحرك السياسي ... لإحداث التغيرات في معادلة الصراع القائم ... في ظل التراجع الواضح للقضية الفلسطينية ...في ظل أزمات المنطقة والعالم .
حكومة نتنياهو التي تعاني الأَمرين من حالة أمنية هي الأخطر ... لا ضوابط تحكمها ... ولا معايير تحدد توجهاتها ... في ظل شباب منتفض... أراد أن يؤكد على رسالته الوطنية الفلسطينية ... أن الاحتلال لا بد أن يزول ... وأن الحرية والاستقلال سوف تتحقق ... وأن المستوطنات الى زوال ... والقدس عاصمتنا الأبدية ... هذا الشباب المنتفض المصر بإرادته ورسالته ... والذي يقدم التضحيات تلو التضحيات... مصمم على الاستمرار ... وعدم التوقف في ظل ما يرى من أزمة علاقات داخلية ... وتعثر واضح لتلبية احتياجات شبابنا وأبناء شعبنا ...في ظل المعادلة السياسية القائمة ... واستمرار حالة الانتظار والترقب ... وغياب الحسم السياسي .
الانتفاضة الشعبية... واذا ما تم قراءتها... واستخلاص ما يمكن استخلاصه... من نتائج أولية توفر أرضية اتخاذ الخطوة للخروج من الأزمة ... على طريق حل الصراع ... وليس حل السلطة ... على طريق اعلان الدولة الفلسطينية المحتلة ... وليس انهيار السلطة ... خطوات دراماتيكية للخروج من الأزمة... في ظل ما هو مطلوب وطنيا ...من انهاء الانقسام واعادة ترتيب البيت الفلسطيني ... بعيدا عن المناكفات والتجاذبات والحملات الاعلامية ... وحتى نهيئ الأجواء لنتائج أي خطوات فلسطينية تقربنا من الدولة ... ولا تساعد على تحقيق النوايا حول انهيار السلطة ... وما يترتب على هذا الانهيار من مخاطر ونتائج غير محسوبة لدى الجميع .
بالمقابل حكومة نتنياهو اليمينة الارهابية ... تحاول التلاعب ... وتقاسم الأدوار... ما بين مؤسساتها العسكرية والسياسية...( ما بين مؤيد للسلطة ودعمها ) وما بين مهدد بانهيارها وحلها ... في اطار حرب نفسية ... تحاول من خلالها حكومة نتنياهو ارضاء قطعان المستوطنين ... والابقاء على ائتلافها اليميني ... وعدم تهديد هذا الائتلاف بالانهيار ... والذي من المحتمل قرب انهياره... في ظل اتخاذ خطوات فلسطينية أكثر جراءة ... وأكثر التصاقا بواقع الانتفاضة .
حكومة نتنياهو الحائرة ... والمضطربة... والتي لا تدرك ما يمكن أن تنتهي اليه الأمور في ظل الانتفاضة الشعبية التي اثارت الرعب والخوف والهوس الأمني داخل المجتمع الاسرائيلي ... مما جعل تلك الحكومة تفقد توازنها ... وتطلق نيران جنودها على كل مواطن يتحرك... وعلى كل امرأة وفتاة ... وعلى كل طفل فلسطيني .
حكومة نتنياهو تحاول أن تلاعبنا ... حتى أنها تتلاعب بمجتمعها الاسرائيلي ... وحتى المجتمع الدولي ... بمحاولة ابداء الحرص على السلام وحل الدولتين ... لكنها بذات الوقت تتناقض مع تصريحاتها ... ومع مواقفها... وحتى مع كافة الاتفاقيات الموقعة عليها ... مما وضع حليفتها أمريكا بحالة جمود سياسي... وعدم مقدرة على اتخاذ الخطوة الواجبة ... مما أوقعها في فشل ذريع في أداء دورها المعلن ... مما يضيف فشلا أمريكيا ... للفشل الاسرائيلي ... في ظل أزمة فلسطينية نأمل بالخروج منها... اليوم ... قبل الغد ... حتى يتحقق للانتفاضة أهدافها.
الكاتب/ وفيق زنداح