اقتليني، فأنا أعشق رصاصتك

بقلم: فايز أبو شمالة

رغم الدم النازف، ورغم حواجز الصهاينة التي تقطع أوصال الضفة الغربية، ورغم أنين الحزن الصاخب في عروق الصبايا الفلسطينيات، اجتاز وفد فلسطيني رفيع كل الحواجز، ووصل إلى إسرائيل، والتقى هنالك مع عدد من كبار الأكاديميين الإسرائيليين.
هذا الوفد الذي يزور إسرائيل يتحرك تحت مسمى "لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي"، ولسان حاله يقول للشعب الفلسطيي: إن كنتم تكرهون التنسيق الأمني، فنحن المنسقون، وإن كنتم تعترضون على التطبيع، فنحن المطبعون، وإن كنتم ترفضون المفاوضات، فنحن المفاوضون، وشعارنا الذي نقدسه يقول: لن نكف عن اللقاءات مع الإسرائيليين.
فهل من العدل أن نزجر الوفد الذي شكلت زيارته طعنة نجلاء في صدر المنتفضين؟ أم من المنطق أن نصف اللقاء مع الإسرائيليين بأنه استخفاف بدماء الصبايا هديل عواد وأشرقت قطناني ورشا عويصي وغيرهن من الشهداء؟ أم من الواجب محاورة الوفد الفلسطيني، والأخذ بيده بعيداً عن الفهم السياسي المغلوط الذي ورد على لسان رئيسه محمد المدني، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والذي دأب على القول: إن تشكيل لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي قد جاءت لتؤثر عليه، كي يكون له الدور الأكبر في انجاح عملية السلام التي تتهرب منها إسرائيل، وتعمل ضدها الحكومة الإسرائيلية، ومؤيدوها.
بكل بساطة؛ نسي رئيس الوفد أن المجتمع الإسرائيلي هو إسرائيل نفسها، وأن الحكومة الإسرائيلية التي تتهرب من عملية السلام قد جاءت عبر صناديق الإقتراع، وهي التي تعبر عن مزاجه الذي يقف بالمرصاد لمن يسعى إلى تغيير الخارطة الحزبية في إسرائيل، والتي تعبر عن مجتمع اختار العيش على حد السيف كما اعترف بذلك نتانياهو.
سأترك لشباب فلسطين وصبايا فلسطين الحكم على زيارة الوفد الذي يترأسه محمد المدني لإسرائيل في هذه المرحلة، ولكنني سأفند زيف الأكذوبة التي تم على أساسها تشكيل لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي بتاريخ 29/11/2012، وبالتحديد، بعد أيام من قبول دولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، حيث كان الهدف المعلن من تشكيل اللجنة هو ترجمة قرار الاعتراف الدولي على واقع فلسطين الجغرافي كما قالوا وقتئذٍ، أو كما قال رئيس اللجنة: بأن الهدف من تشكيلها هو تعريف الإسرائيليين بمصالحهم، "ويجب على الإسرائيليين أن يفهموا ما هي مصالحهم، نحن نحاول الحديث عن التفهم والتفاهم نريد أن يكون في إسرائيل أشخاص وجهات وتيارات مؤثرة تقنع المجتمع الإسرائيلي بمصالحه، وأن تقنعه بأن هناك جيران"
بكل سذاجة سياسية، واستخفاف بعقول شباب حركة فتح، تظن قيادتنا الفلسطينية أن الإسرائيليين في ضلال مبين، وأن أهم واجباتنا السياسية هي الآخذ بيدهم إلى طريق الرشاد!!
أهكذا هي السياسة؟ هل وصل التفريط إلى الحد الذي يقول فيه بعض الفلسطينيين لليهود: أيها الجيران الذين لا يعرفون مصلحتهم، عليكم أن تقتنعوا بأن لكم جيران!!.
وهل يعكس هذا الموقف خللاً في فهم الواقع أم هو تشويه متعمد للواقع؟ ولاسيما أن رئيس اللجنة محمد المدني يقول: إسرائيل قامت بقرار دولي، وبالتالي يكون الرد عليها قرار دولي، واعتراف دولي بنا".
وهنا يقفز السؤال المحرج: هل قامت إسرائيل بقرار دولي كما يقول بعض القياديين، أم قامت بالدم والذبح والقتل والتشريد والاغتصاب؟ هل قامت إسرائيل في أروقة الأمم المتحدة أم قامت من خلال القواعد العسكرية والمستوطنات والمؤسسات المدنية والاقتصادية والإرهاب الذي صنع دولة عنيفة على أرض فلسطين بمساعدة الاحتلال البريطاني؟
إن اللقاء مع الإسرائيليين لا يعد خيانة للعهد الذي قطعته القيادة على نفسها بمواصلة درب الشهداء، بل هو خيانة للجهود التي يبذلها المتضامنون مع الشعب الفلسطيني، والهادفة إلى فرض المقاطعة على المحتلين، بما فيهم الأكاديميين الإسرائيليين.
كان يجدر بالقيادة الفلسطينية أن تشكل لجنة للتواصل مع سكان قطاع غزة لمعرفة احتياجاتهم، أو لجنة للتواصل مع أهل القدس لدراسة أنجح السبل في دعمهم لمواصلة دفاعهم عن المقدسات، أو لجنة للتواصل مع شاب الضفة الغربية لمعرفة طموحهم وأحلامهم السياسية، كي لا يظل حلم القيادة هو اللقاء مع الإسرائيليين، وكي لا يظل شعار المرحلة، اقتليني يا إسرائيل، فأنا أعشق رصاصاتك، اقتليني، فأنا أعشق مفاوضاتك؟.

د. فايز أبو شمالة