مما لا شك فيه بأن القضاء الإسرائيلي والمحاكم المتفرعة عنه أدوات موظفة في خدمة الأمن ودولة الإحتلال،وهي جزء هام لتبرير جرائم الإحتلال وسن تشريعاته وقوانينه المتعارضة مع القوانين والحقوق الانسانية،كما هو حال قوانين محاكمة واعتقال الاطفال وتشريعات الاعدامات الميدانية والعقوبات الجماعية..ولذلك سيناريو محاكمة قتلة الفتى الشهيد ابو خضير معروفة سلفاً في ظل قضاء عنصري يحاكم من منطلقات الاصل القومي لا الجرائم المرتكبة،من حرقوا عائلة الدوابشة لم يعتقلوا او يحاكموا ويفاخر وزير جيش الإحتلال "يعلون" بانهم معروفون لدى اجهزة الأمن الإسرائيلية،ولكن هناك موانع "أمنية" تحول دون إعتقالهم، وحتى لو جرى اعتقالهم فأقصى عقوبة لهم هي الاعتقال الاداري.
يوم أمس الإثنين المفترض أن تكون جلسة نطق بالحكم على هؤلاء المجرمين والقتلة،إستمر الإدعاء في مسلسل المماطلة والتسويف،لكي يفرغ قرار المحكمة من مضمونه،وبما يؤكد على عنصرية القضاء الإسرائيلي،حيث قدم الإدعاء تقارير بأنه لا يمكن الحكم على المتهم الرئيسي،فهو يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية،وتقديم التقرير النفسي للمتهم من قبل طبيب أجنبي عاينه وإطلع على حالته في الدقيقة التسعين، نرى انه جزء من مسلسل ومسرحية المحاكمة الصورية ولا يمكن الوثوق فيه بالمطلق،كما لا يمكن الوثوق بالقضاة هؤلاء انفسهم،وفقط بالدليل القاطع والموثوق هؤلاء القضاة أنفسهم ،(يعقوب تسابن،رافي كرمل ورفقة فريدمان،هم من حكموا على الشاب المريض النفسي عمرو على صبري من جبل المكبر،والمثبت مرضه بتقارير صادره عن مستشفيات اسرائيلية بأربعة اعوام ونصف في قضية الزعم بالتخطيط لتفجير قاعة أفراح اسرائيلية مع كل من باسل عبيدات وانس عويسات وخالد سرور،ولذلك لا غرابة حين نسمع بأن المجرم والقاتل الرئيس يوسف ديفيد بن حاييم مضطرب نفسيا ومختل عقلياً،وهو من اختطف وعذب وحرق الشهيد الفتى ابو خضير حياً وفق الأدلة الدامغة التي بحوزة القضاة والمحكمة...؟؟، أما القاتلين الآخرين القاصرين رغم قرار الإدانة لهم بإرتكاب جرم القتل العمد،لكن لم يتم النطق بالحكم عليهما،وحددت لهم جلسة في 20/12/2015،من أجل النظر في تقرير ما يسمى بضابط السلوك، والأرجح ان يحكم عليهما باحكام مخففة.
في وقت حكم فيها على عشرات الأطفال الفلسطينيين والفتيان باحكام جائرة وصلت حد السجن لمدة خمسة عشر عاماً فما فوق في قضايا لم يكن فيها قتل بهذه الطريقة البشعة والهمجية،بل مجرد إصابات،ومع فارق المقارنة والتشبيه طبعاً،ناهيك عن العديد من بيوت الشهداء التي جرى هدمها او الأسرى المتهمين بعمليات طعن او دهس،في حين ليس بالوارد هدم بيوت هؤلاء القتلة او حتى مجرد التلويح او التهديد بذلك،ولا نجد بأن حكومة الإحتلال وقادتها الأمنيين والعسكريين الذين يسارعون الى إصدار قراراتهم من خلال تشريعات وقوانين عنصرية مخالفة لكل الأعراف والقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية منها جنيف ولاهاي لعام 1907 التي تحرم العقوبات الجماعية كهدم بيوت الشهداء أو الأسرى أو نقل السكان خارج مناطق سكنهم او سحب إقاماتهم،ينطقون بحرف عندما يتعلق الأمر بقتلة ومجرمين من أمثال قتلة الشهيد ابو خضير او عائلة الدوابشة.
نحن كنا نتوقع سيناريو محاكمة هؤلاء القتلة والمجرمين،قبل الوصول الى القول بقضايا الإختلال العقلي والإضطراب النفسي،فمن حرق المسجد الأقصى المجرم الصهيوني الأسترالي روهان في اب 69 مختل عقلياً ومن احرقوا عائلة دوابشة مختلين عقلياً...والمنظمات الإرهابية "لهافا" وتدفيع الثمن وغيرهم ما دامت جرائمهم بحق العرب فهم مختلون ومضطربون نفسيا وعلقلياً ...وفقط يكونوا اصحاء اذا ما مسوا يهوديا او ممتلكات يهودية...اليوم القضاء الإسرائيلي يقول بالفم المليان الفتى ابو خضير حرق نفسه ويجب دفع تعويضات للقتلة والمجرمين للضرر النفسي والمادي والاجتماعي الذي لحق بهم....؟؟
كيف لا..؟ ما دامت وزيرة ما يسمى بالعدل الصهيوني "اياليت شاكيد"،هي من أشد غلاة الصهاينة المتطرفين عنصرية،وهدفها فقط سن القوانين والتشريعات التي لا تعترف بحق الفلسطينيين بالوجود،تصادر وتحتل أرضهم وتجيز اعتقال أطفالهم من سن 12 عاماً فما فوق،وفرض أحكام قاسية عليهم ،حيث صادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع على مشروع قانون جديد يقترح سجن الأطفال منذ جيل الثانية عشرة في حالة إدانتهم بإرتكاب جرائم "ذات دوافع قومية"،وقد صادقت الكنيست الإسرائيلية بالقراءة الأولى على مشروع القانون في 25 تشرين الثاني بغالبية 64 صوتاً ومعارضة 22 .
ويأتي مشروع القانون في اعقاب توجيه النيابة العامة الإسرائيلية تهماً للطفل احمد المناصرة (13 ) عاماً شملت الشروع بالقتل من خلال تنفيذ عملية طعن في القدس الشرقية في الثاني عشر من تشرين اول ،رغم أن القانون الجنائي الإسرائيلي بنسخته الحالية يحظر عقوبات بالسجن على الأطفال دون سن 14 عاماً،وبدلاً من ذلك وضعهم في مؤسسات أحداث للتاهيل وإعادة الإدماج.ومما تجدر الإشارة اليه أن الكنيست أقر سلسلة من التعديلات على قانون العقوبات وقانون الأحداث الإسرائيلي بفرض عقوبة السجن لمدة عشر سنوات واحتمالية تعريض الركاب للخطر او التسبب بأضرار،في حين ان هذه العقوبة تتضاعف لتصل لعشرين سنة في حال إدانة الشخص بإلقاء الحجارة بغرض إيذاء الاخرين،كما خفضت التعديلات من مستوى سلطة القاضي التقديرية.
كما أقرت الكنيست تعديل قانون التامين الوطني لحرمان الأطفال من مخصصات الضمان الاجتماعي في حال إدانتهم بإرتكاب جرائم"بدوافع قومية " و " أنشطة إرهابية" خلال فترة أسرهم، والسماح لمحاكم الأحداث الإسرائيلية بفرض غرامات على عائلاتهم تصل الى مئة الف شيقل.
نعم هي محاكم عنصرية وصورية بإمتياز وقوانين "قراقوشية"هدفها كسر إرادة شعبنا الفلسطيني وإذلاله وتطويعه،فبأي عرف او قانون يكون شرب فنجان القهوة في باب العامود يغرم شاربه ب (470) شيكلاً،أو وجود منفضة سجائر في محل تجاري يغرم صاحبه ب(5000 ) ألآلاف شيكل،او تدخين سيجارة في الشارع العام (1000 ) شيكل.
لا غرابة حينما يبرأ القاتل الرئيسي في جريمة الفتى الشهيد ابو خضير ،او يحكم بالسجن ثلاثة اعوام ودون على القاتلين الاخرين،ولكن في هذه الجريمة وجريمة حرق عائلة الدوابشة يجب التوجه بالملف لمحكمة الجنايات الدولية،وكذلك القوانين العنصرية الخاصة بمحاكمة الأطفال وسجنهم.
بقلم/ راسم عبيدات