أردوغان والطائرة... قصة بطولة لم تكتمل

بقلم: ماهر الجعبري

أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت، عن حزنه لإسقاط القوات التركية الطائرة الحربية الروسية، وقال أردوغان مخاطبا أنصاره: “كنا نتمنى أن لا يحدث ذلك، لكنه حدث” (سكاي نيوز 2015/11/28). ونشرت جريدة الحياة (في 2015/11/30) تقريرا حول “بوادر خلاف بين أردوغان والجيش”، وذلك “بعد تسريب الجيش إلى صحف مقربة أنباء تفيد بأن إسقاطه الطائرة الروسية جاء بناء على تعليمات مسبقة وأكيدة من الحكومة، وأن القيادة السياسية هي التي تتحمل نتائجه”، وذلك ردا على “تسريبات إلى صحف قريبة من الحكومة حاولت اتهام «عناصر» داخل الجيش بافتعال الأزمة مع روسيا لإحراج أردوغان”.

***
لا شك أن المسلمين فرحوا بإسقاط الطائرة الروسية، وسعدوا بذلك الطيار التركي الذي استلهموا منه الأنفاس العثمانية المتحدية للاستعمار، ولمحوا بصورته شيئا من بريق الجهاد الذي يصدّ العدوان عن المسلمين بغض النظر عن الحدود التي رسمها المستعمرون بين بلاد المسلمين، وهم يشعرون بالأحاسيس العقدية للأمة الواحدة: ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾. وهي أحاسيس تدفع المسلمين نحو الوحدة السياسية ونحو النظرة لقضايا المسلمين من منظور أنها تصب في قضية واحدة.
ولكن المؤسف أن الأخبار كشفت أن “النَّفَس العثماني” لا ينسجم مع أنفاس حلف الناتو الكريهة، ولا مع متطلبات الحرب على الإرهاب، التي لا يصح معها أن تشعر الأمة الإسلامية بعزة الجهاد، ولا أن ترتفع جباه ضبّاطها فوق قامات المستعمرين. وأدرك أردوغان طبيعة الموقف بعد محاولته الأولى لإبراز البطولة في الحدث عندما هدد روسيا بأن “لا تلعب بالنار”، فعاد يتودد لروسيا المستعمرة والمعتدية على الأمة الإسلامية بعبارات الاسترضاء، وبالتعبير عن الحزن، بل وتمنى لو أن الحادثة لم تقع، ليؤكد أنه بريء من هذه البطولة المرجوة من كل زعيم مسلم.
هي – إذن – قصة بطولة لم تكتمل، بل تكشفت عن عمق المناكفة بين أطراف في القيادة العسكرية وبين القيادة السياسية. وهي أزمة مستمرة طالما أن القوى الاستعمارية تفرض حضورها على المشهد التركي، وهي دفعت بوتين للتبجح بوصف أردوغان بأنه “كلب الأمريكيين المسعور” (وكالة تسنيم 2015/11/25).
وهذه الأخبار المتتابعة تؤكد ما سبق أن بيّنه أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة على صفحته (في 2015/11/26) من أن “الراجح أن إسقاط الطائرة تم دون قرار من القيادة السياسية التركية بل من قياداتٍ في الجيش ذات أهداف سياسية تختلف فيها مع أردوغان ثم اختلطت معها الغيرة على ما يشاهدونه من قصف روسي على إخوانهم التركمان على حدودهم”.
إن المسلمين يتطلعون إلى “زعيم” أو قائد مخلص يغيّر مجرى التاريخ، بأن يعيد للأمة عزتها ويتحدى المستعمرين وينعتق من أية تبعية لهم، ولا يتم ذلك إلا عندما يتمرد ذلك القائد على المعادلات الاستعمارية ويمحو خطوطها بين المسلمين ويعيد الخلافة على منهاج النبوة.

الدكتور ماهر الجعبري