أنا مع المصالحة الفتحاوية، ترددت هذه الجملة كثيراً عبر صفحات التواصل الاجتماعي في الأيام السابقة، وفيما اكتفى البعض بهذه الكلمات دون افاضة كونها تحمل المضمون، ذهب البعض إلى تعداد الأسباب التي تدفعه لذلك، وفي الوقت ذاته بدأت حملة تواقيع لأبناء الحركة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة تحث قيادة الحركة على تبني مصالحة فتحاوية داخلية تعيد للحركة قوتها وتماسكها، لم يعد تجميل الواقع بقادرة على إخفاء ما وصلت إليه الحركة من استقطاب، وإن حملت المصالحة الفتحاوية في جوهرها مسألة الأخ محمد دحلان، إلا انها في حقيقة الأمر لا بد وأن تشمل مكونات التوتر في العلاقة التي تربط قيادات وأبناء الحركة.
نعم هناك أصوات كثيرة داخل الحركة وخارجها تنادي بضرورة اجراء مصالحة داخلية في حركة فتح ومن ثم الانطلاق نحو مصالحة وطنية جادة وشاملة، لا يحكمها في ذلك البعد الشخصي بقدر ما بات الأمر يتعلق بضرورة وطنية تمليها المستجدات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ولعل هذا ما دفع أطرافاً عربية للسعي نحو تحقيق مصالحة فتحاوية، وإن لم يكتب لها النجاح إلا أنها محاولات انطلفت من مساحة الاستشعار بضرورة ترتيب البيت الفتحاوي، وسواء قبل البعض أم رفض مثل هذه المحاولات الهادفة لردم الفجوة، فإنه بات من الواضح أن حالة الاستقطاب تمددت وتشعبت وإن حافظت حتى اللحظة عن الشكل العام الموحد للحركة، إلا أن ذلك لا يخفى التجاذبات التي امتدت إلى القواعد التنظيمية.
بالمقابل هنالك من لا يريد للمصالحة الفتحاوية أن تسير قدماً، وإن تخندقت تلك الأصوات خلف ما قيل سابقاً من تهم، فالمؤكد أن ما يدفعها للتموضع في خانة الرفض يتجاوز ذلك بكثير، كونها عملت منذ اليوم الأول على العزف على وتر الخلاف، ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا أنها اكتسبت الكثير من اهميتها من خلال توسيع الفجوة، وبغض النظر عن المواقف السابقة وما ترتب عليها فإنه من المفيد اليوم التفكير بشكل جاد لما هو ابعد من مواقع اقدامنا، وأن نتخلى ولو قليلاً عن الفردية والمصالح الذاتية، وأن نتوقف عن فلسفة وضع العربة أمام الحصان، وأن يكون للقضاء دون سواه كلمة الفصل فيما نعتقد أن العدالة تتطلبه.
لا أحد يريد للمصالحة الفتحاوية ومن بعدها المصالحة الوطنية أن تكون على نمط العطوة العشائرية "هدام وردام"، ولكن بالمقابل لا يمكن لنا أن نتقدم خطوة واحدة نحو تحقيق المصالحة ونحن نتمسك بتلابيب الانتقام والاقصاء، ما يجب أن يحكمنا في المرحلة الحالية ثقافة العدالة الانتقالية التي من خلالها نعالج تداعيات الخلاف الذي يعج بالأخطاء، ونتفق معاً حول رؤية محددة وواضحة تمكنا من مداواة الكثير من معاناة شعبنا.
إن المصالحة سواء على الصعيد الفتحاوي أو الوطني تتطلب جرأة يفرضها علينا الواقع الذي بتنا فيه، والتهرب منهما تحت حجج وذرائع مختلفة لم يعد له ما يبرره، فالمصالحة لا تطرق ابواب المتفقين بل تعمل على ردم الفجوة بين المختلفين، وهي بحاجة إلى جهد يستند على قيمة إنجازها بالمقام الأول، وإرادة تنظر للمستقبل لا أن تبقى اسيرة تجرع مرارة الماضي، من منا لم يخطيء؟، وإلى اين وصلنا ونحن نوجه سهام إتهاماتنا إلى بعضنا البعض؟، وما هي المكاسب التي حققناها ونحن نلهث خلف مناكفاتنا المقيتة؟، واي مصلحة وطنية تلك التي تحتم علينا البقاء في مستنقع الانقسام والاختلاف؟.
د.أسامه الفرا