في السنوات الأخيرة تكاثرت وسائل الإعلام التي تبذل جل طاقتها لتشويه الحقائق، وإرباك الوعي العربي؛ وذلك من خلال المعلومات المتناقضة والهجينة التي تهدف في المقاوم الأول إلى خلق حالة من الشك بقدرة العربي على تطوير قدراته، وتهدف في المقام الثاني إلى تبرير العجز العربي؛ وعدم قيام الأنظمة العربية بواجبها تجاه قضايا الأمة المصيرية،
هذا الضخ الإعلامي المشوه ليس جديداً على القضية الفلسطينية، فقبل عشرات السنين شوهت بعض وسائل الإعلام العالمية المرتبطة بالصهيونية صورة الفلسطيني، وادعت أنه باع أرضه لليهود، وقبض ثمنها مالاً، إنها الكذبة التي وجدت من يصدقها ويروج لها بشكل متعمد، حتى صار الفلسطيني من وجه نظر البعض لا يستحق الاحترام وغير جدير بالرحمة، وصار اليهودي إنسان لا يغتصب أرضاً للعرب، وإنما يحرر أرضه التي اشتراها بماله.
لقد اجتهد الفلسطينيون سنوات كثيرة كي يفندوا الكذبة، ويثبتوا بالأدلة والبراهين أن ممتلكات اليهود في فلسطين لم تكن تتجاوز نسبة 6% حين أعلن الصهاينة عن قيام دولتهم، وكان على الفلسطينيين بعد ذلك أن يؤكدوا انتمائهم لوطنهم مع حقهم في المقاومة ضد عدوهم الذي اغتصب أرضهم.
في برنامجه (هنا القاهرة) أفسح الإعلامي المصري عمرو أديب الفضاء العربي للكاتب المصري والروائي يوسف زيدان، لكي يقدم للمشاهد العربي لغة إعلامية جديدة لا تكتفي بالدعوة إلى السلام، والتعايش مع اليهود، ولا تبرر زيارة تواضروس للقدس، بل تجاوزت كل ما سبق، وعمدت إلى تشويه الحقائق التاريخية التي تربط بين مدينة القدس ومحيطها العربي، بل تبنى الكاتب المصري وجهة نظر الكاتب الصهيوني يوسف كيدار في هذا الشأن.
إن مكانة القدس في نفوس العرب والمسلمين لا ترتضي أن يكون الرد على عمرو أديب وضيفه يوسف زيدان من خلال مقال في صحيفة، أو من خلال ندوة ثقافية، أو من خلال اجتماع فصائلي يتخذ موقف ممن يشوه التاريخ، الرد على تدنيس المقدسات يجب أن يأتي من الرئاسة الفلسطينية، ومن خلال حكومة التوافق، ومن خلال قيادة منظمة التحرير التي لم يعد لها حق بالمطالبة بالقدس عاصمة لدولة فلسطين طالما بدأ الحديث عن أحقية اليهود في مدينتهم المقدسة كما قال الكاتب المصري يوسف زيدان عبر برنامج "هنا القاهرة".
على القيادة الفلسطينية ألا تتهاون في هذا المضمار، لأن التشكيك في عروبة القدس ينزع الدسم عن الحق الفلسطيني برمته، ويحرض ضد المدافعين عن المسجد الأقصى، وفي الوقت نفسه يبرر الجرائم الصهيونية التي ترتكب دفاعاً عن الحق اليهودي كما يدعي الكاتب.
إن العربي الذي يتشكك بعروبة القدس لا يختلف كثيراً عن جون كيري وزير خارجية أمريكا الذي أعطى لليهود الحق في قتل الأطفال الفلسطينيين بحجة الدفاع عن النفس.
ملاحظة: لقد رفض نتانياهو استقبال وزير خارجية بلجيكا لأنه دعم فكرة وسم منتجات المستوطنات المصدرة لأوروبا. لقد دافع نتانياهو عن الباطل بقوة، فهل يقدر زعماء العرب والفلسطينيين على اتخاذ موقف شبيه من هذا الموقف ضد أولئك الذين يتنكرون لحقوقهم؟.
د. فايز أبو شمالة