حلّ السلطة أو انهيارها… صهيونيا وفلسطينيا

بقلم: فايز رشيد

نشرت صحيفة "هآرتس" الصهيونية مؤخرا، خبرا قالت فيه: إن المجلس الوزاري المصغر الإسرائيلي درس بجدية احتمال قيام السلطة الفلسطينية بحل نفسها، وكشفت عن أن "الكابينيت" درس خلال الأيام القليلة الماضية في اجتماعات استثنائية، دعا إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سيناريوهات حل السلطة الفلسطينية، في أعقاب فشل مساعي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في تقريب المسافة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية! وأشارت نقلا عن مسؤولين شاركوا في الاجتماعات التي عقدت، أن "وزراء إسرائيليين يعتقدون أن انهيار السلطة الفلسطينية قد يأتي لمصلحة إسرائيل، وبالتالي لا حاجة لتدخل إسرائيلي لمنع حدوث مثل هذا السيناريو". إلا أن المستوى العسكري والأمني كان موقفه مغايرا للموقف السياسي، حيث قالت الصحيفة إن "كبار المسؤولين في الجيش وجهاز الأمن العام الإسرائيلي، أعربوا عن قلقهم البالغ من إمكانية انهيار السلطة الفلسطينية، التي قد تكون لها تبعات وتداعيات أمنية خطيرة". كما درس المجلس الوزاري المصغر سيناريوهات أخرى يتوقعها الجانب الإسرائيلي، ومنها التوجه للمحافل الدولية بعد فشل زيارة كيري لإسرائيل والسلطة الفلسطينية، ومنها التوجه لمجلس الأمن الدولي بمشروع قرار فلسطيني، إلا أن الجانب الإسرائيلي درس أيضا إقدام الفلسطينيين على تقديم مشروع قرار ينص على فرض حماية دولية للفلسطينيين في حال حل السلطة. وقبل أيام، حذّر كيري، من تدهور "النزاع" بين إسرائيل والفلسطينيين، بحيث أنه يمكن أن "يخرج عن السيطرة" داعيا الطرفين للتوصل سريعا إلى حل. وقال فور وصوله إلى بوسطن بعد لقائه قادة الطرفين خلال زيارة إلى المنطقة: "إننا قلقون للغاية حيال العنف وإمكانية خروج الوضع عن السيطرة".
في الجانب الفلسطيني قال الناطق بلسان الرئاسة الفلسطينية إن "عباس أكد لكيري المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وضرورة إطلاق أسرى الدفعة الرابعة ما قبل أوسلو". وأشار إلى أن كيري أكد موقف بلاده الداعم لحل الدولتين، مطالبا بالعمل على تهدئة الأوضاع في المنطقة. هذا في ظل تشديد كبار المسؤولين الإسرائيليين، على أن إسرائيل لا يمكنها أن توقف المشاريع الاستيطانية والتهويدية في الضفة الغربية والقدس! كما أن قرار الكيان صدر بإنشاء مشروع استيطاني صهيوني جديد في القدس الشرقية! في ظل تأكيد نتنياهو في مؤتمر الليكود "بأنه لن يقوم بتسليم القلسطينيين ولا مترا واحدا من الأرض "اليهودية"! وفي ظل إعادة بحث سن قانون في الكنيست "بأن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي". بدوره فإن الرئيس عباس أبلغ الإسرائيليين، بعدم نيته حل السلطة الفلسطينية، أو إلغاء اتفاقات أوسلو. ويمكن القول إن المتطرفين اليمينيين الحاكمين في الكيان تنفسّوا الصعداء بعد طمأنة عباس، إذ أن التزامه بالإبقاء على السلطة الفلسطينية، يعني مواصلة إسرائيل التمتع بمزايا الاحتلال المريح، حيث تواصل السيطرة على الأرض والموارد الحيوية في الضفة الغربية، في حين تواصل السلطة الفلسطينية تحمّل المسؤولية عن توفير المتطلبات الحياتية للفلسطينيين! في الوقت ذاته، فإن التزام عباس باتفاقيات أوسلو يعني ضمناً مواصلة التعاون الأمني مع الكيان، وهو التعاون الذي يريح إسرائيل من عبء احتلالها والإشراف على أمن الضفة الغربية. بالتالي فلا الكيان الصهيوني ولا حليفته الأمريكية ولا القيادة الفلسطينية تسعى لحل أو انهيار السلطة الفلسطينية، رغم التصريحات المغايرة. من قبل وعدت السلطة مرارا بـ"حلّ" نفسها ووقف التنسيق الأمني مع العدو.. ولم تتم لا هذه الخطوة ولا تلك. صحيفتا "معاريف" و"هآرتس" الإسرائيليتان أكّدتا قبلا وفقا لرئيس ملف المفاوضات في السلطة صائب عريقات: أن السلطة الفلسطينية أبلغت دولاً في العالم، بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة، نيتها حل نفسها ( كان ذلك قبل بضعة أشهر) وحددت زمنا لذلك. مضى الزمن وفات الموعد ولم تنفذ السلطة وعودها، في إطار ما سمته "نقل الصلاحيات إلى الاحتلال" ضمن خطة متدرجة في نقلها، بحيث تبدأ بالصلاحيات المدنية كالصحة والتعليم، وتأجيل الصلاحيات الأمنية إلى وقت لاحق.
بدايةً، نتمنى لو جرى تطبيق ما أكده عريقات، فكاتب هذه السطور دعا إلى حل السلطة منذ سنوات طويلة، فحقيقة الأمر أن هذه السلطة ليست سلطة، بل يريدها الكيان وكيلة عنه في ممارسة الإشراف الحياتي على الفلسطينيين في المناطق المحتلة، بدون امتلاكها لأي مظاهر سيادية، يريدها ممثلا عنه في حفظ الأمن ومنع القيام بأي عمليات ضده، يريدها سلطة خاضعة للإملاءات الإسرائيلية… وهذا ما لا يقبله الفلسطينيون.
كذلك، لا نفهم جدية الحديث عن انهيار السلطة، في ظل تهميش منظمة التحرير الفلسطينية وكافة مؤسساتها، فالقائمون على السلطة ارتأوا فيها بديلاً عن م.ت.ف، لذلك انصبت كل جهودهم على تقوية مؤسساتها على حساب مؤسسات منظمة التحرير. لا نفهم جدية الحديث عن انهيار السلطة في الوقت الذي تعاني فيه الساحة الفلسطينية من الانقسام وعدم وجود لأدنى أشكال الوحدة الوطنية الفلسطينية، فمن يتوقع انهيارالسلطة يبدأ بتطبيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويقوم بإصلاح منظمة التحرير بكافة مؤسساتها، ويقطع كل خيوطه مع المفاوضات مع إسرائيل، التي أثبتت عقمها ولا جدواها على مدى عقدين من الزمن، ويعيد الاعتبار للمقاومة بكافة أشكالها ووسائلها، خاصة المسلحة منها، ويقوم بمقاطعة إسرائيل سياسياً واقتصادياً وأمنياً ويعيد القضية إلى اعتبارها العربي، معتمداً على الجماهير العربية، بدلاً من انتظار اجتماعات دولية، وقراراتها التي لن تخرج عن محددات السقف الأمريكي لها. من يتوقع جدياً انهيارالسلطة يعيد القضية الفلسطينية إلى الشرعية الدولية وكل قرارات الأمم المتحدة الصادرة بهذا الشأن.
وأخيرا.. من يتوقع انهيار السلطة.. لا يقوم في بداية العام الحالي 2015 بتوقيع ما عُرفت بـ"اتفاقية الغاز" مع الكيان الصهيوني. جرى توقيع الاتفاقية بعيدا عن كل الهيئات الرسمية الفلسطينية، وبموجبها يتم استيراد 4.75 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي إلى الأراضي الفلسطينية بقيمة تتجاوز تكلفتها 1.2 مليار دولار على مدى عشرين عاما، رغم ما يعنيه ذلك من دلالات، أننا سنبقى على هذا الوضع طيلة هذه المدة، في الوقت الذي يطمح فيه شعبنا إلى إقامة دولته الفلسطينية المستقلة اليوم قبل الغد. الاتفاقية في التفاصيل تقضي بإمداد محطة توليد الكهرباء في جنين بالغاز الطبيعي طيلة العشرين عاما.. لإمداد كل منطقة شمال الضفة الغربية بالكهرباء.. وهو ما يسمح لشركة التوريد الصهيونية بامتلاك نسبة مئوية من محطة التوليد الجديدة. لقد سبق لرئيس الوزراء الفلسطيني أن صرّح أواخر عام 2014: "بأنه وخلال 3 سنوات ستصبح دولة فلسطين منتجة ومُصدّرة للغاز".. وعلى هذا الاساس ترددت أنباء عن احتمال استيراد الأردن للغاز الفلسطيني.
في الختام نقول إن الذي رهن الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي هو من قام بتوقيع "اتفاقية باريس الاقتصادية" سيئة الصيت والسمعة! ويحكى يومها أن المرحوم ياسر عرفات عندما قرأ بنودها..رمى الملف في وجه من قام بتوقيعها وهو رئيس الوزراء الفلسطيني حينها أحمد قريع. إن الحديث عن حل أو انهيار السلطة هو حديث بعيد عن الواقعية.
كاتب فلسطيني

د. فايز رشيد