التخويف من انهيار السلطة الفلسطينية

بقلم: فايز أبو شمالة

يتخوف بعض الفلسطينيين من حل السلطة أو انهيارها، ويتخوف بعض السياسيين الإسرائيليين من حل السلطة أو انهيارها!
أما الفلسطينيون الذين يتخوفون من حل السلطة أو انهيارها فهم أولئك الذين غدت مصالحهم الحياتية والاقتصادية والوظيفية مرتبطة ببقاء السلطة، وهم في قلق دائم على معيشتهم ومستقبل أبنائهم في حالة اختفاء السلطة، ولهؤلاء الناس الحق في تخوفهم، ولكنهم يبالغون في القلق على مستقبلهم الوظيفي، دون أن يفطنوا إلى أن الجهة التي ستتولى إدارة حياة الناس في حالة اختفاء السلطة ستلتزم بالقانون الذي يكفل سبل العيش لكل من عمل في الوظيفة العمومية، وستتحمل مرغمة كل المسئوليات المالية التي كانت تتحملها السلطة المنهارة.
أما الإسرائيليون الذين يتخوفون من انهيار السلطة فهم أولئك الذين يدركون أهمية وجود السلطة لحفظ أمن اليهود، وهؤلاء هم قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الذين أوصوا المستوى السياسي قبل أيام بتعزيز مكانة السلطة الفلسطينية، وتزويدها بالمدرعات والأسلحة والذخيرة، وتقديم بعض الامتيازات لقادتها، مع ضرورة إطلاق سراح بعض الأسرى، وتحسين شروط حياة الناس اليومية بزيادة فرص العمل، وإعطاء تصاريح بناء في المنطقة جيم، ولا يحذر هذا المستوى الأمني الإسرائيلي من حل السلطة، وإنما يتخوف من انهيارها.
الفلسطينيون الذين يتخوفون من اختفاء السلطة لا يشغلهم البعد السياسي في هذا الأمر، فهم يدركون أن واقع حال القضية الفلسطينية لم يكن مع وجود السلطة بأفضل منه مع غيابها، وهم يدركون أن القضية الفلسطينية ستأخذ حضوراً وتأثيراً وفرصاً لتعديل مساراتها التنظيمية والسياسية بما يتواءم مع عودة الاحتلال الإسرائيلي، وقد أثبتت التجارب أن المواجهة المباشرة مع الجيش الإسرائيلي ومستوطنيه ستكون أرحم ألف مرة من المواجهة مع قوات الأمن الفلسطيني، وأن التعامل المباشر مع منسق شئون المناطق سيكون أيسر في انجاز معاملات الناس اليومية من التعامل مع وزارة الشئون المدنية التي اكتفت بدور ساعي البريد.
أما الإسرائيليون الذين يتخوفون من انهيار السلطة فتشغلهم النتائج السلبية لانهيار السلطة، ومستوى تطور الأحداث على الأرض، لذلك انقسم المجلس الوزاري السياسي والأمني الإسرائيلي على نفسه ـ حين ناقش لمدة يومين سيناريو انهيار السلطة، وسبل التعامل مع ذلك ـ ولم يحسم الخلاف بين المؤيدين لانهيار السلطة والمعترضين على ذلك إلا رئيس الوزارء نتانياهو حين قال في باريس: لا أتمنى انهيار السلطة الفلسطينية، ونقوم بخطوات تمنع تحقق مثل هذا السيناريو، السلطة الفلسطينية سيئة، ولكن انهيارها سيأتي لنا ببديل أسوأ، لذلك نطالب السلطة بتغيير سلوكها.
فإذا كان نتانياهو الذي يمثل أعلى مستوى سياسي في إسرائيل لا يتمنى انهيار السلطة، فلماذا لم تأخذ حكومته بتوصيات المستوى العسكري الذي أوصى في تقريره بتعزيز مكانة السلطة في أوساط الفلسطينيين خشية انهيارها؟
أزعم أن لرئيس وزراء إسرائيل مصلحة في إثارة موضوع انهيار السلطة، وهي المصلحة نفسها التي ينطلق منها بعض السياسيين والكتاب الفلسطينيين والعرب، والتي تصور انهيار السلطة الفلسطينية بالنكبة التي لا تعادلها إلا نكبة سنة 48، وكأن السلطة في حد ذاتها هي غاية النضال الفلسطيني، وكأن بقاء السلطة مغنم كبير يفوق تحرير فلسطين، وأزعم أن لا هدف من هذا التهويل المقصود لبقاء السلطة إلا رأس انتفاضة القدس، وذلك من خلال:
أولاً: تخويف قيادة السلطة الفلسطينية من بروز قيادات ميدانية جديدة، ستنتزع القرار السياسي، وستكون لها الكلمة العليا في الشأن الفلسطيني، وهذا ما تخشاه السلطة، وما حذر منه نتانياهو.
ثانياً: تشكيك المجتمع الفلسطيني بقدرته على البقاء حياً في حالة انهيار السلطة، وتخويفه من حركة "داعش" وقدرتها على التمدد والسيطرة، وملء الفراغ الناجم عن انهيار السلطة.
لقد نسي كل أولئك الذين يقدسون السلطة على حساب الوطن أن الشعب الفلسطيني بات مدركاً أن السلطة الفلسطينية التي تم تأسيسها سنة 1994، ولمدة خمس سنوات بشكل مؤقت، هذه السلطة قد انتهت سنة 1999، مع انتهاء المرحلة الانتقالية، وأن الذي ظل منها مجموعة من المسئولين الإداريين والأمنيين والماليين الذين تنكروا للواقع، وتجمدوا على حافة الزمن، وتوهموا باستمرار قدرتهم على البقاء؛ متجاهلين حجم الوعي الفلسطيني المتنامي في عقول الاجيال الشابة، ومتجاهلين حجم الغضب الفلسطيني النابت في صدر الصبايا والشباب، والذي لم يعد يهمهم بقاء السلطة بمقدار ما يهمهم حرية الإنسان الفلسطيني وتحرير أرضه.

د. فايز أبو شمالة