منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة بداية تشرين أول الماضي ، ولا يخلو خطاب أو مقالة أو مقابلة مع مسؤول فلسطيني ، إلاّ ويتحدث بألم عن حالة التخلي وإدارة الظهر التي تعيشها القضية الفلسطينية وشعبها ، على يد أبناء جلدتنا من العرب والمسلمين – إلاّ من رحم ربِّ - ، بل ويذهب ليُكيل الاتهامات واصفاً إياهم بالمتخاذلين وووو ... إلخ . ولا تخلو لقطة تلفزيونية لمقابلة مع أحد أبناء شعبنا المنتفضين ، إلاّ ويحدثك عما يعتمر قلبه من وجع وضيق الصدر ، لأن لا معتصم في هذه الأمة يُستجار به ، وكيف هم متروكون لعدو لا يرحم ، لأنه لا يجيد صنعة إلاّ القتل والحرق والتدمير . هذا غيضٌ من فيض ما يتحدث عنه الفلسطينيون في مواجهة حالة النكران والتنكر لقضيتهم وقدسهم ومقدساتهم ، وأنهم وحدهم اليوم في مواجهة شبق الأطماع الصهيونية التي لا حدود لها ، حتى والانتفاضة الثالثة قد وصلت بورصة أيامها إلى الشهر الثالث ، وشهدائها حتى سطور المقالة قد تجاوز أل 110 شهداء وآلاف الجرحى والمعتقلين ، وإجراءات وقوانين قمعية بالجملة ، وكأن فلسطين لم تعد قضيتهم المركزية ، فهي تقع على عالم من الافتراض العربي ليس إلاّ ، أو ذكريات من الماضي الجميل الذي هدروه في التغني بأمجاد كنا وفعلنا وفتحنا ووصلنا ... إلى آخر المعزوفة التي حولوها إلى مشروخة . وكأني بالفلسطينيين المكلومين بأشقائهم قبل أبنائهم يقولون و" ظلمِ ذوي القربى أشدُّ مضاضةً " .
وهنا يطفو إلى سطح الأسئلة الكثيرة سؤال كبير ، أيٌّ من ذوي القربى هو الأشد مضاضة ، هل الشقيق القريب ، أم الشقيق البعيد ، وكلهما مؤتمن من وجهة نظرنا ، ولكن قد يبادرك البعض المتصيد ، لماذا على الدوام توجهون الملامة للشقيق العربي أو المسلم ؟ ، ومن هو الأقرب إليكم في سلوكه يُسهل على هؤلاء ما يُقدمون عليه ؟ . يبدو للوهلة الأولى الكلام محق وذي معنى ، فكيف نلوم الإمارات العربية المتحدة على خطوة فتح ممثلية " إسرائيلية " على أراضيها ، بحسب " إيمانويل ناهشون " الناطق باسم خارجية الكيان الصهيوني ، بينما رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس ومع توقيت الانتفاضة يظهر في قمة المناخ في باريس وهو يُصافح الإرهابي بنيامين نتنياهو ، الملطخة يديه بدماء الفلسطينيين على امتداد الوطن الفلسطيني . نعم وبالفم الملآن ، وفي ردنا على البعض المتصيد كلا الحدثين مدان ، ولا مبرر لهما .
وبين هذا وذاك ، يخرج نتنياهو على أنه الفائز من فتح الممثلية على أرض الإمارات العربية ، لتؤكد هذه الخطوة ما قد ذهب إليه نتنياهو منذ وقت ليس بالبعيد ، أن " إسرائيل " قاب قوسين من ترسيم علاقات دبلوماسية مع عدد من الدول العربية . وكلامه يُذّكرني بكلام قاله " شمعون بيريز " ورددته " تسيبي ليفني " ، خلال حربهم على غزة في تموز 2014 " أننا لأول مرة نذهب إلى الحرب ومعنا العديد من الدول العربية " . أيضاً ، أي نتياهو هو المستفيد والفائز من مصافحة أبو مازن في باريس ، سواء هو سعى إليها ، أو رئيس السلطة ، أو هناك من تدخل ليخرج هذه المصافحة بين الإثنين . فنتنياهو ليس هناك ما يحرجه في الأمر ، على الرغم من بعض الأصوات المنتقدة له بسبب المصافحة مع رئيس لشعبٍ كله إرهابي بحسب التوصيف الصهيوني للانتفاضة الفلسطينية وشبانها . والسؤال المتبقي ، إذا كان نتنياهو غير مُحرج من واقعة المصافحة ، فهل السيد أبو مازن بوصفه رئيس منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية أيضاً غير مُحرج ؟ .
بقلم/ رامز مصطفى