هناك عدد من الاسباب التي تقف وراء سقوط حكم جماعة الاخوان المسلمين في مصر، بعضها يتعلق بمواقف وأداء الجماعة نفسها، وأخرى تتعلق بمقاومة الدولة العميقة في مصر لحكم جماعة الاخوان، وثالثة تتعلق بمحاربة من خارج الحدود المصرية لتجربة حكم الجماعة في مصر.
ساهم أداء ومواقف جماعة الاخوان في سقوط حكمها سريعاً. فجاءت مساعي الجماعة إلى الحكم بعد ثورة يناير 2011، بتراجعها عن وعدها الذي جاء في الشهر الثاني للثورة بعدم نيتها التنافس في الانتخابات الرئاسية رغم النجاح الذي حققته في الانتخابات التشريعية، ليقوض ذلك من مقاربتها السياسية ويشكّك في صـــدق نواياها. ورغم بقاء جماعة الاخوان مترددة في خوض غمار السلطة والمنافسة على مقعد الرئاسة بعد الثورة المصرية، إلا أنها أجازت ذلك في النهاية رغم الانقسام الحاد في داخل مجلس شورى الجماعه، إذ وافق على ذلك سته وخمسون عضواً فقط مقابل إعتراض إثنين وخمسين. فعدم تحقــيق الجماعة للأسلمة التي سعت اليها، أبقى الفجوة واسعة بين فكرها الديني وفكر غالبية شــرائح المجتمع المصري. ويقوم فكر جماعة الاخوان المسلمين في مصر على ركيزة الدين الاسلامي ومبادئ الشريعة الاسلامية وأحكامها. ومارست الجماعة السياسة وانخرطت فيها منذ نشأتها بهدف الوصول إلى الحكم، لكن عبر أسلمة المجتمع بشكل تراكمي، والذي سيفرز تلقائياً في نهاية المطاف، كما تطلعت الجماعة، حزباً إسلامياً لحكم البلاد.
وبقيت مراجعات جماعة الاخوان وتكييفها للمفاهيم التي تبنتها، أسيرة لحدود فكرها، ما أفرغها من مضمونها، وشكّك في حقيقة توجهاتها السياسية. فإصرار الجماعة على عدم قبولها بتقلد المرأة وغير المسلم حكم البلاد، شكّك تلقائياً بمبادئ المواطنة والمساواة التي تدعو اليها الجماعة. كما جاء اصرار الجماعة على الالتزام بمبادئ حقوق الانسان ضمن اطار الشريعة الاسلامية، سنداً اضافياً يفرغ المبادئ الديموقراطية التي تدعو اليها الجماعة من مضمونها. ووضعت جماعة الاخوان منذ تأسيسها ثلاثة مراحل مهمة لتحقيق أهدافها، جاءت الاولى للدعاية والتبشير بفكرها، والثانية للتكوين وإختيار أعضائها وأنصارها، في حين تحددت المرحلة الثالثة بالتنفيذ والعمل والانتاج. ونجحت جماعة الاخوان في مصر في إنجاز المرحلة الاولى والثانية بينما فشلت في الاستمرار في الثالثة. ويعود ذلك لاعتماد الحركة على أيديولوجيتها في المراحل الثلاث، رغم أن ذلك تحتاجه الجماعة فقط في المرحلتين الاولى والثانية بينما تستدعي المرحلة الثالثة الانخراط في إطار أوسع وأعمق يقوم على أساس وطني قومي عام محكوم بالاطار المؤسسي للدولة وليس على أساس ديني خاص.
وعلى مستوى الاداء لم توفق الجماعة خلال عهد الرئيس السابق محمد مرسي القصير في ممارسة سلطتها. ففي ظل تشكيك الآخر بنواياها، وعدم تميزها ما بين دورها في المعارضة وبين الدور المناط بها عندما وصلت إلى الحكم، اتهمت الجماعة بأخونة المجتمع. كما شكلت عدم خبره جماعة الاخوان في ممارسة السلطة، عامل مهم من عوامل فشلها. وكانت الدولة المصرية قد استبعدت جماعة الإخوان المسلمين، وحافظت على بقائها خارج دوائر الحكم فيها حتى إدارة البلديات منها، لأكثر من خمسة وثمانين عاماً، فاجادت الجماعة العمل كمعارضة بينما إفتقدت خبرة العمل في إطار السلطة.
سعت الجماعة طوال عهد وجودها في البرلمان كمعارضة إلى إرساء مبادئ فكرها الديني في الدستور، ألا أن ممارســـتها الاقصاء السياسي لفرضه في تعديلات دستور 2012 عندما أصبحت في الحكم، أضر بموقف الجماعة. فأخرجت جماعة الاخوان في عهد سلطتها دستوراً ذا الصبغة الأكثر دينية في تاريخ مصر، ودون التوافق مع الاطراف السياسية الاخرى. كما تعتبر مساعي الجماعة لاقصاء المؤسسة القضائية وتحييد دورها وإصدار قانون للسلطة القضائية من دون التفاوض مع القضاة، من بين أهم العثرات التي سقطت بها الجماعة. فأقالت الجماعة النائب العام، وضغطت للاستغناء عن ربع الكادر القضائي المخضرم تقريباً (حوالي ٣٥٠٠ قاضي) بعد تخفيض سنّ الإحالة إلى التقاعد من 70 إلى 60 عاماً. كما ساهم قرار الجماعة بتعين الآلاف من أتباعها في مؤسسات الدولة في إطار إستراتيجية التمكين، في تصاعد حدة المعارضة لسياستها، في ظل عدم معرفة الجماعة بخبايا مؤسسات دولة وآليات العمل فيها، مما جعلها مغيبة عما يدور داخلها.
ساهمت الدولة العميقة في مصر في إسقاط حكم جماعة الاخوان. فعلى الرغم من أن جماعة الاخوان لم تسعَ إلى فرض الشريعة الاسلامية على الدولة والمجتمع المصري، ولم تُغيِّر مطلقاً في القوانين المدنية للدولة المصرية، إلا أن المقاومة الداخلية الشرسة من قبل الدولة العميقة لحكم جماعة الاخوان ساهمت في سقوطها السريع عن الحكم. وكان المرشح الاخواني محمد مرسي قد فاز في الانتخابات الرئاسية في نهاية شهر يونيو من عام ٢٠١٢ بفارق ضئيل عن مرشح النظام القديم أحمد شفيق. ويعكس ذلك مدى عمق ورساخة النظام القديم ورموزه السياسية والاقتصادية والمستفيدين منه، وهم المتواجدون في جميع مفاصل الدولة المصرية والمتجذرون فيها منذ عقود، خصوصاً وأن الجماعة جاءت من خارج تلك المؤسسات. وتتركز الدولة المصرية العميقة في المؤسسة العسكرية والشرطة والقضاء والخارجية والإعلام والاجهزه الإدارية للدولة، والذي يتعدى عدد العاملين فيها سته ملايين عامل وموظّف. ولم يكن من الصعب على كوادر الدولة العميقة بمؤسساتها المختلفة محاربة القيادات الاخوانية الدخيلة والجديدة، من خلال عدم التعاون أو التعطيل أوحتى التآمر في بعض الحالات.
ورغم محاولات جماعة الاخوان بقيادة الرئيس السابق محمد مرسي إعادة ترتيب مؤسسات الدولة بما يضمن سيطرتها عليها، وسعيها للتصالح مع عدد من رجال الاعمال الذين برزوا في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لم تنجح الجماعة في إحتواء الدولة العميقة في مصر. وقد أثبت القضاء المصري أن دوره كان سياسياً بامتياز عندما وقف بصلابة ضد جماعة الاخوان أثناء وجودها في الحكم، فأفرج عن معظم رموز الدولة العميقة مثل صفوت الشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور وغيرهم، بينما زج بعد ذلك بأنصار جماعة الاخوان في السجن، وحكم بتبرئة رموز حقبة حكم الرئيس مبارك. كما أثبت الجيش المصري دوره بوضوح تجاه حكم جماعة الاخوان، عندما أعلن في الثالث من يوليو عزل الرئيس الاخواني محمد مرسي، وطرح خريطة طريق جديدة لحكم البلاد تتمثّل في تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا كرئيس إنتقالي، ووضع دستور جديد، ودعا لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. وإعترف رجل الاعمال المعروف نجيب ساويرس صراحة بتمويله حركة تمرد، وإستخدامه مكاتب حزب المصريين الاحرار للعمل لمصلحة هذه الحركة، التي نشأت بين قيادتها وبين القيادات العسكرية والاستخبارية طوال الاشهر التي سبقت تظاهرات الثلاثين من يونيو ترتيبات ومتابعات عمل.
واعتبرت أزمة البنزين والسولار والكهرباء من بين الاسباب الرئيسية لخروج مظاهرات الثلاثين من يونيو ضد الرئيس الاخواني محمد مرسي، نظراً لما سببته تلك الأزمة من شلل تام للبلاد وارتفاع أسعار السلع الرئيسية، وانقطاع متكرر فى الكهرباء حتى في فصل الشتاء. وأرجعت الرئاسة المصرية في تقرير صدر عنها فى السادس والعشرين من يونيو لعام 2013، أن أسباب أزمة الوقود ترجع إلى ارتفاع احتياجات سوق الوقود عن معدلات الاستهلاك الطبيعية، وإلى عمليات تهريب للوقود جاءت فى الفترة ما بين يونيو 2012 وحتى مايو 2013. وتزامنت أزمة نقص الوقود خلال الفترة الاخيرة من عهد الرئيس مرسي مع عطل فني جاء في معملي تكرير مسطرد والعامرية، وهما المركزين الرئيسيين في توفير الوقود، الامر الذي أدى إلى نقص الكميات المطروحة في المستودعات ومحطات الوقود بنسبة 20%. مع العلم أن التجار الذين يسيطرون على سوق السلع مصر الإستراتيجية لا يتجاوز عددهم مائة رجل أعمال وهم من رموز النظام السابق، كما تعالت إتهامات خلال الاشهر الاخيرة من حكم الرئيس مرسي بنشاط غير مألوف لسوق الوقود السوداء.
ساهم تدخل دول خارجية في سقوط حكم الاخوان في مصر. كانت الامارات أول الدول التي عبرت عن عدم رضاها عن إنتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر حسب تصريحات قائد شرطة دبي في حينه. وجاء في كلمة مشتركة للملك عبدالله بن عبد العزيز وولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز ان السعودية لن تسمح بأن يخرج فيها من ينتمي إلى أحزاب تستغل الدين، ليتوارى خلفه المتطرفون والعابثون والطامحون لمصالحهم الخاصة، في اشارة غير مباشرة الى أحزاب الاسلام السياسي. وأسرعت كل من السعودية والامارات بتوجيه رسائل التهنئة للرئيس المؤقت الجديد بعد إزاحة الرئيس محمد مرسي. وأعلنت السعودية دعمها للجيش المصري عندما فض إعتصام ميدان رابعة والنهضة في الرابع عشر من أغسطس عام ٢٠١٣، حيث إعتبرت أن الجماعة تزعزع أمن وإستقرار مصر.
وتتخوف دول مثل الامارات والمملكة العربية السعودية من إنقلاب موازين الحكم داخل بلدانهم، فالدولتان تدركان أن تربع جماعة الإخوان المسلمين على كراسي الحكم في دول عربية أخرى سيتبعه مطالبات داخلية بفتح قواعد اللعبة السياسية في بلدانهم. كما يثير تغلغل النفوذ التركي الإقليمي عبر البوابة المصرية مخاوف الامارات والسعودية، لما يحمله ذلك من تغير في معادلات التوازن في منطقة الشرق الاوسط. وكانت قد بدأت تظهر ملامح شراكة إقتصادية إستراتيجية عندما تم الاعلان عن المنتدى الاقتصادي المصري التركي في عهد الرئيس محمد مرسي، حيث أعلن رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي رغبته في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري مع مصر إلى خمسة مليارات دولار خلال عامين. جاء تلك التطورات مصاحبة لقيام الحكومة المصرية بقيادة الرئيس محمد مرسي بحزمة إجراءات اقتصادية سعت إلى الحد من الاعتمادية على الخارج، لعل أهمها مشروع تطوير قناة السويس، وهو ما إعتبرته دولة الإمارات تهديدًا لمصالحها الجيوسياسية في المنطقة. كما تخوفت السعودية والإمارات من تشكل حلف مصري سني إيراني شيعي، بدأت تظهر معالمه بعد التقارب المصري الإيراني في عهد الرئيس السابق محمد مرسي.
واستقبلت دولة الامارات أول عملية تهريب أموال للرئيس حسني مبارك أثناء الثورة، وغيره من السياسيين المصريين بعد ثورة يناير 2011. وشهدت الامارات ملاحقة لعناصر من جماعة الإخوان المسلمين على أراضيها، وأعلنت القبض على خلية إخوانية في يوليو 2012 ونوفمبر من العام ذاته ويناير من عام 2013. وضخت أبوظبي مليارات الدولارات لقنوات فضائية مصرية، أهمها قناة أون تي في، وسي بي سي، ودريم، والمحور، فيما تلقى عدد من الصحفيين والمنتجين العاملين في التلفزيون الرسمي مبالغ ضخمة أيضاً في سبيل إسقاط حكم الجماعة في مصر. وطالبت الإمارات من بريطانيا في شهر يونيو من عام 2012 وبعد تسلم محمد مرسي مقاليد الحكم في مصر ممارسة الضغوط على هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) كي توقف تغطيتها لما يجري في مصر، لوجود متعاطفين فيها مع حكم الاخوان. كما طالبت الامارات بريطانيا عام ٢٠١٢ بملاحقة الإخوان المسلمين، مهددة بإلغاء صفقات كبيرة معها.
وكانت السعودية والإمارات والكويت قد تعهدت مباشرة وخلال أسبوع بعد تنحية الرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو عام 2013 بتقديم مساعدات وقروض وشحنات وقود قدرها 12 مليار دولار. وتوزعت هذه المساعدات ما بين ست مليارات دولار ودائع بالبنك المركزي، وثلاثة مليارات لشراء مواد بترولية، وثلاثة مليارات أخرى منحة مالية لا ترد. وأسهمت هذه المساعدات في زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي لدي البنك المركزي ليصل إلى 19 مليار دولار في نهاية شهر أغسطس من عام 2013، وهو الأعلى منذ شهر نوفمبر عام 2011. وأدَّت الإمارات دورًا مهمًّا في تهدئة سوق الوقود المصري بعد الاطاحة بالرئيس مرسي، فالإضافة إلى المساعدات الاستثمارية. وكانت أزمة النفط ونقص الوقود واحدة من أبرز الأزمات التي واجهت حكومة الرئيس مرسي، والتي إستغلها الإعلام لتأجيج الرأي العام المصري ضدها.
سقط حكم الاخوان في مصر وخلال فترة قياسية لم تتعد العام. وبغض النظر عن أسباب ذلك السقوط السريع لاخوان مصر، إلا أن جماعات الاخوان يصعب غيابها عن الساحات السياسية العربية، وذلك لأسباب تتعلق بطبيعة المجتمعات العربية ذات التوجه التقليدي الديني، ولأسباب تتعلق بتاريخ نشأة جماعة الاخوان وبنيتها الفكرية والمؤسسية العريقة، ولأسباب تتعلق بقصور وضعف الأفكار والبنية االمؤسسية للاحزاب السياسية العربية الاخرى. وتبقى الاحزاب السياسية الدينية موجودة في معظم الانظمة الديمقراطية، وغير الديمقراطية حتى وإن قمعت مثل تلك الاحزاب. ويبقى التحدي الاكبر مستمراً أمام الانظمة السياسية العربية طالما بقيت جماعات الاخوان المسلمين والجماعات الدينية الاخرى فيها دون مراجعات فكرية مستنيرة تضع في إعتبارها الاطار الوطني والقانوني المؤسسي العام والقبول بالاخر، وطالما بقيت الاحزاب السياسية العربية الاخرى تعتمد على محاربتها للاحزاب الدينية الاخرى بدل التوجه نحو مراجعات فكرية وبنيوية تفتح لها الافق لمنافسة حزبية شريفة، وطالما بقيت الاطر القانونية المنظمة لتلك الدول أي دستيرها أسيرة لرغبات الحكام والنزعات الاثنية الدينية منها والطائفية وحتى القبلية، فالبنية الدستورية المتماسكة تضمن إستمرارها وإن تغير النظام السياسي فيها.
د. سنية الحسيني
كاتبة وأكاديمية فلسطينية