بدا الاهتمام واضحاً على وجوه الطالبات بشكل لا يقل عن اهتمام الطلاب، رغم أن عددهن كان ضعف عدد الطلاب، وهنا أزعم أن دراسة الفتيات للصحافة أمر يبشر بمستقبل واعد للقضية الفلسطينية التي ما زالت تنتظر الإبداع في العمل الصحفي، والارتقاء فيه بعيداً عن الحزبية والعمل التنظيمي، وبعيداً عن الارتزاق.
عقدت الندوة التي شاركت فيها مع الأستاذ وسيم عفيفة رئيس تحرير صحيفة الرسالة في قاعة طيبة بالجامعة الإسلامية، وبدعوة من الأستاذ منير أبو راس، محاضر في قسم الصحافة الإعلام، وقد تركز الحديث في الندوة على موضوع "فن كتابة المقال السياسي"، ومن المؤكد أن الهدف من الندوة هو التطبيق العملي لما درسه الطلاب في قسم تنمية القدرات والمهارات.
لم أتفاجأ من اسئلة الحضور التي عكست رغبة بعضهم في تطوير قدراته الكتابية، ولم أتفاجأ من استفسار البعض عن مدى حرية الكتابة وحرية التعبير في الساحة الفلسطينية، ولم أتفاجأ من إلمام الطلاب الجيد بالعبد التنظيمي، وتاثيره المباشر على كتاب الرأي في فلسطين، ولكن الذي فاجئني في الندوة هو السؤال عن الصحافة الإسرائيلية، ومدى تأثيرها على الشارع الإسرائيلي من جهة، وتأثيرها على القرار الحكومي من جهة أخرى، ولماذا أصبح بعض الإعلاميين الإسرائيليين قادة سياسيين، في الوقت الذي لم نشهد ذلك في ساحتنا الفلسطينية؟
كان يجب أن أعترف أماما الطلاب أن عدد الكتب التي تطبع في إسرائيل أكثر من عدد الكتب التي تطبع في كل البلاد العربية، وكان يجب الاعتراف بأن المجتمع الإسرائيلي بتفاخر بالقراءة والتثقف بشكل لا يقل عن تفاخره بقوته العسكرية، وتقدمه العلمي والتكنولوجي، بالتالي فإن الشارع الإسرائيلي يتابع ما تنشره الصحافة والمواقع من أفكار، ويتأثر ببما يخطه كتاب المقالات اليومية من آراء، والذين تميزوا بالتحليل المنطقي، وجرأة النقد والاعتراض العلني على قرارات الحاكم، ولديهم فسحة من حرية التعبير والاختلاف، التي تحفزهم على الالتفاف بعد ذلك حول صناديق الاقتراع، ليحتكموا إليها، وليختاروا قيادتهم السياسية، لذلك جاء اهتمام القائد السياسي الإسرائيلي بما يخطه كتاب الرأي من منطلق الحاجة إلى فهمهم جيداً كي لا يضل الطريق أولاً، وكي يفهم مزاج شعبه الذي سيحاسبه في نهاية الفترة الانتخابية.
في بلادنا العربية لا يهتم الحاكم بكتاب الرأي إلا من زاوية المديح والإطراء وذكر المناقب، ولا يقرأ الحاكم العربي ما يخطه كتاب المقال، فقد ضمن ولاء معظمهم من خلال المنح والعطايا، والحاكم العربي لا يعنيه مزاج الشاعر، لأنه محصن من التغيير، ولن يلجأ في يوم من الأيام إلى صندوق الاقتراع.
مفاجأة الندوة كانت من الطالب الذي طرح السؤال، إنه الأسير المحرر إياد أبو حسنة، لقد كان يقيم معي في نفس الغرفة من سجن نفحة الصحراوي قبل أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً.
د. فايز أبو شمالة