هذا العنوان استوحاه البروفيسور الإسرائيلي (يورام ميتال) رئيس مركز حاييم هيرتصوغ لدراسات الشرق الأوسط في وصف الحالة الفلسطينية، وخريف الغضب عنوان لكتاب أصدره الكاتب الصحفي (محمد حسنين هيكل) في وصف سيرة السادات وصعوده للرئاسة والأسباب التي أدت لاغتياله.
كتب يورام ميتال قبل أيام يقول "الإسرائيليون يتجاهلون أسباب التصعيد، ويعتبرون أن القوة وحدها ستوقف خريف الغضب الفلسطيني" .
فأسباب التصعيد الذي تشهده الأراضي المحتلة كما يراها البروفيسور الإسرائيلي ليست مقتصرة على اقتحامات الأقصى فحسب لأن تلك هي الشرارة التي أشعلت الأحداث، إنما ما يحدث تعبير عن يأس حقيقي من احتلال جاثم على الأراضي الفلسطينية رأى سكانها ان كل محاولات الخلاص منه باءت بالفشل، ولا يبدو في الأُفق أمل قريب بأي إنجاز على الأرض.
هذا الوصف للحالة الفلسطينية يبدو مقارباً جداً للواقع الفلسطيني، وأصاب في تشخيصه على عكس العديد من الكتاب الإسرائيليين المتعامين عن رؤية واقع الأحداث التي تجري في الأراضي المحتلة.
(فيعقوب عميدرور) كتب في صحيفة إسرائيل اليوم في 28 نوفمبر يقول "لا يوجد على ما يبدو سبيل لمنع الإرهاب الذي ينفذه أفراد يقرون في الصباح قتل يهود في الظهيرة، وحتى دوافعهم لم تعد واضحة في معظم الحالات وأكثر من أي شيء آخر يدور الحديث عن أجواء (بمثابة موضة فلسطيينة لأعمال القتل) ".
كيف لكاتب أن يرى حقيقة ما يجري بهذا التشخيص؟ وكأنه يقول أن الفلسطيني ليس سوى ماكينة للقتل فكثير على الكاتب أن يعترف بإنسانية من يقاوم الاحتلال، فالشهداء أكثرهم ولدوا في ظل عملية السلام، وكبروا وهم يراقبون وينتظرون نتائجها ولأن إسرائيل تلاعبت بالفلسطينيين وزادت من الاستيطان والحوجز، وانتهكت المقدسات، وأحرقت الفلسطينيين أحياء، ودمرت القطاع في ثلاثة حروب أدرك الفلسطيني أن لا جدوى من سلام مزعوم، ولم يعد يقبل بالحياة القاسية التي يعايشها يومياً وبكم الذل والمهانة التي يتعرض لها شعبه، ولم تعد لغة السياسي تقنعه، وهو يرى هذا القتل اليومي لأبنائه فحرر نفسه من كل القيود، ومضى ليعيد الاعتبار لنفسه وقضيته وهذا كان نتيجة الاستهتار الإسرائيلي بعملية سلام حاولت على الدوام إطالة أمدها وكأنها ستقف على جيل هو الآن قارب الخمسين أو الستين من عمره وربما أكثر.
أما الكاتب الإسرائيلي (ناحوم برنياع) فقد كان أقل هجوماً على الفلسطينيين فقد كتب في صحيفة يديعوت أحرنوت أواخر نوفمبر يقول: "القاسم المشترك لدى جميع منفذي العمليات هو اليأس، فاليأس يحيط بالجميع، إسرائيل، والسلطة الفلسطينية ورئيسها أبو مازن، وجميع التنظيمات".
هو يتحدث هنا واضعاً الضحية والجلاد على نفس المستوى، و رغم مجانبته الصواب إلا أنه كما الآخرين لا يتحمل مسئولية احتلاله ولا يطرح حلاً سوى البكائيات التي لم تعد تجدي.
في استطلاع لمعهد (مدغاميم) و(القدس للعدالة ) حول تفشي العنصرية والكراهية بين الإسرئايليين أظهرت النتائج التالي:
أ. نسبة 75% من المشاركين عنصريين.
ب. نسبة 33% يكرهون اليهود المتدينين (الحريديم) واليساريين والعرب.
جـ. الحريديم وهم (خمس الإسرائيليين) يكره 78% منهم المتدينين الليبراليين، و54% يكرهون العرب، و48% منهم يرفضون العلاج عند طبيب عربي.
نتائج الاستطلاع صادمة، وتظهر إسرائيل كدولة موبوءة يصعب فيها التنفس بسبب الأجواء المسمومة والمشحونة بالكراهية، وفقدان التسامح .
لذلك في تلك الهبة الشعبية لا تزال إسرائيل تشغل نفسها بكيفية لجمها بالعنف الذي لا ترى سواه لكسر شوكة الفلسطينيين دون أي بادرة سياسية حقيقية، وهذه حقيقة الإرهاب والعنصرية الإسرائيلية ، وهو مادفع الصحفى جدعون ليفى فى محاضرة له فى واشنطن منذ ايام بوصف السلوك الاسرائيلى فيما يتعلق بانتهاك حقوق الانسان والقانون الدولى كشخص مدمن للمخدرات يثنى عليك ان ساعدته على الحصول على الجرعات ويتصرف كمجنون ان اخبرته انه بحاجة لدخول مصحة للتعافى .
أما الفلسطينيون فلا يزالوا في حراك، ولم يحسموا أمرهم بعد فيما يخص تلك الهبة الجماهيرية، قد يكون هناك أسباب موضوعية إقليمية ودولية خلف ذلك، أوذاتية كالانقسام وما حمله من مناكفات ، أو خبرات سابقة جعلت من درجة الهبة بمستواها الحالي دون الوصول للحافة .
ورغم هذا كله ستبقى تلك الهبة فى ضوء المتغيرات الدولية الموجودة خيار لا بد منه لوقف التغول الإسرائيلي الذي يرى في الوضع الإقليمي والدولي نافذة فرص للمزيد من تمييع حل الدولتين.
بقلم/ جمال ابو لاشين