لا يختلف اثنان على أن انتفاضة تشتعل وتتصاعد بدماء شباب وشابات فلسطين ،لأن إرادة الشّعب الفلسطيني اصبحت متوفّرة في الحالة الفلسطينيّة ، فالشعب الفلسطيني مستهدف، وبيته مستهدف، والأرض مستهدفة، والمزروعات والحيوانات مستهدفة، والماء مستهدف، والمقدسات مستهدفة، فلا بد ان يأخذ شباب وشابات فلسطين دورهم بعد مفاوضات عقيمة لن تجلب لهم سوى الاسوأ، فقرروا بدء معركتهم بانتفاضتهم الشعبية التي اصبحت هي عنوان الانتفاضة الثالثة حيث تدار باقتدار على أرض فلسطين بمواجهة الاحتلال وقطعان مستوطنيه.
من هنا نرى بأن الشعب الفلسطيني اليوم يمثل القدوة والمثال على الطريق الصحيح ، فالشباب الفلسطيني المغيب عن قضيّته اكتشف أهمّيّة ما يقوم به هؤلاء الأبطال، ومعنى التّضحية من أجل قضيّة جامعة، وظهر لهم أنّ مقاومة الاحتلال والتّطلّع للحرّية عابر للألوان والاعتبارات السياسيّة والايديولوجيّة وأنّ عنوان المرحلة والتحرير هو مقاومة الاحتلال، وأنّ أقرب الطّرق لجني المكاسب الوطنيّة يمر عبر مقاومة الاحتلال لا استجدائه، وهو ما يراه هذا الشّباب بأنّ طريق تحقيق الانجازات لا يمرّ إلا عبر امتلاك أسباب القوّة.
نحن الآن نعيش إرهاصات الانتفاضة، وأهمّ عناصر هذه المرحلة تحقّقت، أو في طور التَّحَقُّق والنَّضوج، من عوامل نّفسيّة وفِكريَّة التي شكّلت الوعي ونمط التفكير العام، وقلبت اهتمامات الجيل نحو قضاياه الجامعة، وخلعت من نفسه الأنانية والانتهازية وأمراض مرحلة الهزيمة.
تمثل انتفاضة الشباب بداية مرحلة جديد من الكفاح الشعبي الفلسطيني في جميع أرجاء الوطن المحتل ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وهي تطلق ديناميات جديدة في الواقع السياسي الذي تميز بركود شامل بلغ حد التحجر والتكيف مع إرادة المستعمرين .
وفي ظل هذه الاوضاع نقول ان انتفاضة السكين والحجر والمقلاع يقودها جيل جديد من الشباب الفلسطيني الرافض للاحتلال وقد دفعته إلى ذلك حيوية التناقض الرئيسي بين الشعب الفلسطيني والاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين ، حيث تتجسد في مسار النضال الفلسطيني وهذا يؤكد ان هناك اصبح يوجد تحولا نوعيا في الوعي الشعبي .
ان تركيز الجهد الأميركي الصهيوني على محاولة احتواء الانتفاضة ووقفها ،من قبل الادارة الامريكية وحلفائها لمساعدة حكومة الاحتلال في الخروج من المأزق الخطير الذي أوقعهم فيه شباب الانتفاضة الذين تحولوا إلى نواة حركة مقاومة جديدة يستعصي إخضاعها إلى حد الاستحالة ، نرى انه ليس بمقدور أي جهة طمس التناقض الرئيسي المفجر للانتفاضة فهو بالأصل وجود الاحتلال وقطعان مستوطنيه ،وان الانتفاضة اكدت على ضرورة اسقاط كل المحاولات الجارية بما فيها مشروع الدولتين وقبر نظريات التسوية ورهانات التصفية.
ان تجاوز الوضع الفلسطيني حدود الانتفاضة، سيرتسم في الأيام المقبلة ،لأن الجيل المنتفض لايعترف بأوسلو ولا بالتنسيق الامني والاحتلال الإسرائيلي، ولا بكل الزيارات المكوكية التي يقوم الأميركي وغيره. يعترف فقط بقوته وعزيمته التي لا تلين من اجل الوصول الى تحقيق اهدافه الوطنية المشروعه ، لان ابطال الانتفاضة يأسوا من المحافل الدولية ومن الجامعة العربية ومن أنظمة عربية غير مهتمة بشؤونه، وفي يده سلاحه المفضل السكين والحجر والمقلاع الصغير وسيارة الدهس ، لعله بذلك يتقدم إلى ماهو أعنف، إلى البندقية التي حملها جيل قبله وأدى بها دورا طليعيا جعله يكون الرقم الصعب بل أصعب الأرقام في وقته، فليس أمامه إذن الا ارادة الصمود والتحدي، أمام القتل الذي يمارس ضده من الاحتلال، فالعنف لايقابل إلا بالعنف، والثورة يحركها البحث عن الحق والحقوق ومن أجله الشعب الفلسطيني يقاوم .
لقد نجحت انتفاضة الحجارة والسكاكين وحقق شبابهاتقدما كبيرا وواضحا في الواقع الفلسطيني ، والآن يحدونا أمل بأن تلتف حولها كافة قطاعات شعبنا حتى تحقق نقلة أهم وأوسع لصالح
القضية بمساندة الشعوب العربية واحرار العالم حتى تتمكن من وضع حد للاحتلال ، ورغم اننا نعلم ما تتعرض له الشعوب العربية الشقيقية نتيجة للهجمة الامبريالية الصهيونية الارهابية التكفيرية ، مما دفعها الى تراجع مستوى الاهتمام بالقضية المركزية إلى مادون الحد الأدنى، واستقواء العدو الصهيوني مقابل الضعف العربي الراهن وانخراط معظم الأقطار العربية في معارك لا تأخذ معها في واقع الحال الصمت العربي الرسمي اتجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، فنحن نتطلع الى كل الشعوب العربية بأن لا تشغلهم قضاياهم الداخلية عن بوصلتهم الأساسية فلسطين، بل يجب أن تكون هذه البوصلة هي المحرك الأساسي نحو تحرر الشعوب ورفعتها.
وفي ظل هذا المناخ نؤكد بأن الانتفاضة سجلت انتصاراً نفسياً ومعنوياً على الاحتلال من خلال صمودها الطويل لتخلق واقعاً جديداً لابد من إعادة النظر إليه بصورة مختلفة، فإنها لن تتوقف دون أن تحقق أهدافها المبتغاة، مثل ما حدث للانتفاضة الأولى.
ختاما لا بد من القول: ان الشعب الفلسطيني بحاجة الى وحدة الصف و اعادة ترتيب أولويات البيت الفلسطيني على ارضية انهاء الانقسام والتمسك بخيار الوحدة الوطنية والانتفاضة والمقاومة ، حيث ان دم شباب فلسطين يكتب التاريخ من خلال انتفاضته الباسلة نحو فجر حرية فلسطين الآتي من روح الشهادة وحدها بعدما ثبت عقم أي كلام آخر، من شباب وشابات في عمر الزهور،حملوا حجارتهم وسكاكينهم ومقلاعهم باعتبارها اسلحتهم ليهزوا اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يهزم، كما هزّوا "ضمير العالم".
بقلم/ عباس الجمعة
كاتب سياسي