تباينت ردة الفعل الإسرائيلية، في أعقاب نشر صحيفة "معاريف" العبرية صباح الأحد، نصف رسالة موقعة بيد الجندي الأسير لدى كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في قطاع غزة، "شاؤول أرون"، تُثبت أنه حيًا، خلافا لرواية الجيش الإسرائيلي، الذي أعلنت مقتله، خلال مهاجمة دبابته شرقي غزة، في عدوان عام 2014م.
وسارع خبراء الجيش الإسرائيلي للتشكيك في تلك الرسالة، والقول بانها رسالة "مُفبركة"، وأن حماس هدفت لممارسة الضغط على عائلة الجندي، وتحريك المياه الراكدة بهذا الملف، وإجبار الحكومة الإسرائيلية على البدء بمفاوضات لعقد صفقة تبادل.
بينما زادت تلك الرسالة من توتر والدي الجندي "أورن"، وسارعوا لمطالبة حركة حماس بتقديم أدلة تُثبت أنه حيًا، وأدخل عائلته – بحسب صحيفة معاريف - في وضع نفسي سيء وليست مستعدة للاقتناع بأنها مُفبركة، ما يزيد بشكل واضح شكوك تلك العائلة في رواية الجيش بأنه قُتل، والتي شككت بها منذ اللحظة الأولى، على الرغم من إقامة جنازة رمزية له.
وجاء في الرسالة "أمي الغالية، أسمع صوت المطر حولي ولا أستطيع رؤيته ولا أشعر به، واكتشفت أن ذلك ليس من حقي منذ وقوعي بالأسر، أنتظر معلومة ما تفرحني وتعيدني إليكم، أود الخروج من الأسر، ولا أنكر تعاملهم الحسن معي، ولكن شعوري بأنكم نسيتموني ولا يهمكم وضعي يملئ قلبي بالخوف، وأكثر ما يخفني هو نسياني لسنوات طوية كما حصل من الجندي جلعاد شاليط".
جاء فيها أيضا "أمي، بدأت أشعر بالبرد وأنا أخاف قدوم شتاء قاسي كما حصل العام الماضي، هل يقبل قلبك الحنون أن أبقى بعيداً عنك كل هذه المدة؟ متى ستعملون من أجلي؟، هل ستوافقون على مواصلة اللعب السياسي بكم والوعودات الكاذبة التي تعدكم بها حكومتنا؟ وعدونا بالجيش بأن نعود سالمين إلى بيوتنا وأمهاتنا لكنهم تركوني وذهبوا ولم يفعلوا شيئاً لأجل".
وقالت والدة "أرون" خلال مؤتمر صحفي مساء الأحد بمنزلها : "إذا أثبتت حركة حماس أن أبنها على قيد الحياة سيقوموا بقلب الطاولة على الحكومة الإسرائيلية حتى إتمام الصفقة"؛ داعية حركة حماس، خاصة نائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية لإثبات بأي إشارة أن نجلها حي، وستتوعد حينها بالضغط على إسرائيل لا تمام صفقة تبادل.
حركت ملف الأسرى
وسيطر نبأ الرسالة الموقعة باسم الجندي "أرون"كما زعمت الصحيفة العبرية، على معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، وحرك المياه الراكدة لهذه الملف منذ فترة طويلة، وأعاده للواجهة مُجددًا، بحسب المُختص في الشؤون الإسرائيلية حسن عبدو، خلال حديثه مُعلقًا على تلك الرسالة مع مراسل "وكالة قدس نت للأنباء".
وقال عبدو : "أعتقد أن هذه الرسالة تهدف لإعادة ملف الأسرى من جديد على طاولة المجتمع الإسرائيلي والرأي العام الإسرائيلي، ليمارس ضغطه على القيادة الإسرائيلية من أجل اتمام صفقة على غرار صفقة وفاء الأحرار، التي تم بموجبها الإفراج عن أكثر من 1000 أسير فلسطيني، مقابل الجندي جلعاد شاليط".
وحول إن صحت تلك الرسالة، هل ستُشكل ضربة للجيش الإسرائيلي الذي تحدث عن مقتل الجندي حين أسره، شدد "من السابق لأوانه أنه يتم الحديث أنه حيًا، الإفساح عن مصير الجندي ليس بالمسألة الهينة، فحماس لديها تجربة في المفاوضات، ولم تُفصح عن مصير (جلعاد شاليط) سابقًا إلا بثمن، فكان مقابل الإفراج عن 20 أسيرة تقريبًا".
وأضاف "بالتالي لا أعتقد انه حماس ستوضح مصير الجندي، بدون مقابل، لذلك الرسالة صحيح توحي أنه على قيد الحياة، لكن هذه المسألة ينتابها شكوك، وتأكيد مصير الجندي (شاؤول أرون) بثمن، ولن يمر بدون ثمن، هكذا أكدت وما تزال تؤكد قيادة حماس".
مُصاغة بطريقة ذكية
وبشأن قراءته لفحوى الرسالة، أكد عبدو أن تلك الرسالة مُصاغة بطريقة ذكية جدًا وعاطفية، تخاطب وجدان أسرة الجندي، حتى تكون هناك رد فعل من أسرته، بالتالي يتم تفعيل الملف من جديد، وهذا عمليًا يعتبر ذكاء من قبل حركة حماس وجناحها العسكري كتائب القسام لإعادة مكانة الملف من جديد، من أجل اتمام صفقة جديدة".
وتابع "عمليًا الرسالة وإن كان يتحدث فيها (أنه يسمع المطر ولا يحس به، ولا يراه..)، كل ذلك ليس معناه أنه إفصاح عن مصير الجندي، هو يعني يضع شكوك أنه حي، لكن عمليًا الإفصاح عن هذه المسألة له ثمن، وحماس باعتقادي لن تقدمه مجانًا".
وفيما يتعلق بمعاني نشر تلك الرسالة بهذا التوقيت، لفت إلى أنه لذلك بكل تأكيد معاني، فملف الأسرى، منذ فترة طويلة غاب نهائيًا عن الإعلام، واليوم الصحافة العبرية تتحدث بشكل كبير عنه، وأسرة الأسير الإسرائيلي اليوم بدأ يتولد لديها أمل أنه حيًا، بالتالي عقدت مؤتمرًا صُحفيًا، وسيتبع ذلك مؤكداً ضغط على الحكومة من أجل تفعيل طرف ثالث في المفاوضات".
وكشف القيادي في حركة حماس أحمد يوسف في وقتٍ سابق، أن الوساطات لفتح ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حماس لم تتوقف وأن أكثر من جهة زارت غزة مؤخراً، مشددًا على أن حركته مُتمسكة بشروطها لفتح هذا الملف، وتتمثل "بالإفراج عن كافة الأسرى الفلسطينيين الذين أفرج عنهم ضمن صفقة وفاء الأحرار (صفقة شاليط) وأعادت إسرائيل اعتقالهم".
تخفيف الضغط
وحول مسارعة خبراء في الجيش الإسرائيلي لنفي تلك الرسالة، والحديث أنها "مُفبركة"، قال عبدو في معرض تعليقه خلال حديثه مع مراسل "وكالة قدس نت للأنباء" : "لأن ذلك يُشكل ضغطًا نفسيًا وإعلاميًا كبيرًا على الاحتلال، بالتالي هو يريد أن يُفرغها (تلك الرسالة) مضمونها، بحيث يكون لها أقل تأثير على الرأي العام الداخلي، لكن أعتقد أن الرسالة وصلت، والدليل أن أسرة الجندي تعقد مُؤتمرًا صُحفيًا".
واستبعد في رده على تساؤل ما إذا كانت إسرائيل ستتحرك سياسيًا، أو عسكريًا في قطاع غزة، بعد تلك الرسالة، أن يكون هناك حراكًا عسكريًا، أو سياسيًا، لكن غالبًا سيكون الدفع بالطرف الثالث الذي أدار مفاوضات سابقة، إما ألمانيا أو طرفًا أوروبيًا، للتوسط بالملف".
ونوه عبدو إلى أن ما من شك أن الرسالة حركت المياه الراكدة لملف الأسرى، وأستدرك "لكن لا نحكم الوصول في النهاية لصفقة تبادل، إعادة الملف للمشهد، لكن هذه الرسالة استطاعت أن تثير حراكًا واضحًا في الإعلام والرأي العام الإسرائيلي".
وكان موقع أمني مقرب من حماس قد نشر مؤخراً ما قال إنها "رسالة تحاكي حال الجنود الإسرائيليين الاسرى المفترضين بغزة".
وانتقدت الرسالة وهي مطابقة لما نشرته "معاريف" على لسان أحد الجنود، تجاهل حكومة إسرائيل لملفهم"، وحملت الرسالة حسب - موقع المجد الأمني - أن" الجنود المفقودين في غزة لن يعودوا قبل الإفراج عن الأسرى فلسطينيين".
وتمت عملية أسر الجندي " شاؤول أرون" فجر يوم الأحد 20 يوليو في عملية نفذتها كتائب القسام، شرق حي التفاح بمدينة غزة، وأسفرت العملية عن قتل نحو 14جنديًا إسرائيليًا، وفقدان الجندي المذكور، الذي لم تعترف به إسرائيل إلا بعد يومين، بعد خروج الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" وإعلانه تفاصيل العملية، وأسر الجندي خلالها.
"وأرون" يعتبر ثانِ جندي يتم أسره بعد "جلعاد شاليط"، على يد المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة، من مواليد 27 ديسمبر 1993م، إسرائيلي الجنسية، مُقيم بمستوطنة بوريا في منطقة الناصرة شمال الاراضي المحتلة عام 48؛ التحق في صفوف الجيش الإسرائيلي - لواء النخبة - وعمل على الحدود مع قطاع غزة؛ شارك في عدوان 2014م، على قطاع غزة (ابتداء من 8 يوليو 2014)؛ يحمل الرقم العسكري 6092065.
وكانت كتائب القسام توصلت لصفقة تبادل أسرى مع إسرائيل- برعاية مصرية - مقابل الإفراج عن الجندي "جلعاد شاليط" في أكتوبر 2011، وأفرج بموجبها عن 1027 أسيرًا وأسيرة، بعد نحو خمس سنوات من أسر شاليط.