قراءة في زلزال رسالة الجندي الأسير شاؤول أرون..

بقلم: جبريل عودة

الرسالة التي وصلت إلى عائلة الجندي الصهيوني الأسير شاؤول أرون ,شكلت صفعة قوية للرواية الصهيونية الرسمية حول موضوع الجنود الأسرى في قطاع غزة ,وكشفت زيف الإدعاء الصهيوني لعائلات الجنود , وأربكت المؤسسة العسكرية الصهيونية وأظهرت عجزها وفشلها في حماية جنودها في ميدان المعركة ,وفضحت تخلى الإحتلال عن جنوده وعدم المبالاة بمصيرهم , وأن قيادة الجيش الصهيوني تتمنى الموت للجنود عن وقوعهم في الأسر الذي قد يعيدهم إلى ذويهم مرة أخرى , وأجزم أن الرسالة التي كتبها الجندي الصهيوني أرون بخط يده كما جاء في الصحافة العبرية , قد أحدثت زلزالاً كبيراً في كل الهيئات والمؤسسات الحاكمة في الكيان الصهيوني , ووضعت أمام أعين قادة الإحتلال حقيقة هزيمتهم المدوية في مواجهة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة , ولقد وصل أثر ذاك الزلزال إلى بقية مكونات مجتمع الإحتلال , والذي فقد الثقة في كل ما يصدر عن الجيش الصهيوني من بيانات ومعلومات , وأثبت تلك الرسالة للصهاينة كافة صدق أقوال المقاومة الفلسطينية , والتي إن قالت فعلت وإن حدثت صدقت ,وكانت كتائب القسام قد قالت في بيان متلفز للمتحدث بإسمها أبو عبيدة , إن بياناتنا وإعلاناتنا هي اليقين والصدق، وعلى جمهور العدو أن يتابع بياناتنا كي يعرف الحقيقة منا لا من قيادته الكاذبة , ولعل تلك الكلمات صيغت بثقة عالية لتكون مناسبة للحظة التي سيقف فيها نتانياهو ووزير حربه يعالون , للإعتراف بأكاذيبهم أمام جمهور الصهاينة , في هزيمة جديدة تضاف لسلسة هزائم نتانياهو والتي من الممكن أن تطيح به سياسياً .
وبالرغم من عدم تأكيد تلك الرسالة حتى اللحظة رسمياً من كتائب الشهيد عزالدين القسام صاحبة القرار الفصل والأقوى في ملف جنود الإحتلال الأسرى , الا أن مفاعيل تلك الرسالة إنفجرت في وجه نتانياهو وقادة جيش الإحتلال ,وأعادت فتح أحد أهم وأخطر الملفات الصعبة والتي يخشاها نتانياهو , حيث يؤشر ملف الجنود الأسرى على هزيمة حكومة كيان الإحتلال أمام المقاومة الفلسطينية ,وكما أنها تضعف مكانة نتانياهو القيادية والسياسية في المجتمع الصهيوني, ولعل إجراءات غلق ذلك الملف بإدعاء مقتل الجنود , وإجراء مراسم الدفن الرسمية المتبعة في جيش الإحتلال , تأتي خشية من اللحظة التي سيخضع فيها كيان الإحتلال وكقادته بتنفيذهم شروط المقاومة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الإحتلال, ومن هنا جاءت الفكرة الشيطانية اللاإنسانية والتي لم يطبقها أي جيش في العالم , وهي قانون هنيبعل والذي يقضي بقتل الأسير وآسريه في المعركة, والذي ثبت فشله الذريع ولم يخلف الا العار للصهاينة بإرتكابهم عمليات القتل الجماعي للمدنيين في حي الشجاعية ومدينة رفح .
موعد تلك الرسالة يتصادف مع الذكرى الثامنة والعشرون لإنطلاقة حركة المقاومة الإسلامية, ليؤكد على إلتزام الحركة وجناحها العسكري بتحرير الأسرى في سجون الإحتلال , وهو الإلتزام الذي يجدده قادة الحركة مراراً في كثير من المواقف والمناسبات , وأن العام الجديد لحماس سيكون عام تحرير الأسرى , وقد تكون الرسالة ذاتها رسالة غير مباشرة للأسرى في سجون الإحتلال , والذين يعيشون فترات صعبة في ظل القمع والإجراءات المشددة التي تتبعها إدارة السجون الصهيونية , وهنا يمكن تفسير أقوال القيادي في حماس فتحي حماد في مسيرات حماس في شمال قطاع غزة الجمعة الماضية بأن نتانياهو سيأتي خاضعاً ليوقع وثيقة الإستسلام الأولى .
كما تأتي تلك الرسالة متزامنة مع إستمرار إنتفاضة القدس , ومن الممكن إعتبارها من باب المساندة والدعم المعنوي للمنتفضين في الضفة والقدس , بأن المقاومة لن تترك من يقع في الأسر بعد تنفيذه عمليات ضد الإحتلال ومستوطنيه ,وأن مقاومة الشعب الفلسطيني وحدة واحدة في الهدف والغاية , وأن تعددت الأدوات والوسائل من منطقة إلى أخرى في الوطن المحتل, وتؤكد تلك الرسالة أن خيار ونهج المقاومة هو أقرب الطرق لإسترداد الحقوق الفلسطينية , وأن التسوية مع الإحتلال مضيعة للوقت والجهد الوطني, وأن التفاوض مع الإحتلال بدون أدوات ضاغطة لن تجلب أي إنجاز قد يبنى عليه في مسيرة التحرير الفلسطينية.
لقد غاب عن ذهن نتانياهو وقادة جيش الإحتلال , أنهم يواجهون مقاومة منظمة بعيدة عن العشوائية والتخبط , وما يصدر عنها من بيانات يملك من المصداقية ما شهدت به الأعداء, وأن ما تملكه من الخبرة والدراية في إدارة الملفات المعقدة , يجعلها تفاجئ خصومها بما لا يتوقعون وتتركهم يعالجون الصدمة ويندبون الحسرة .
ما يجب أن يعيه نتانياهو وأقطاب حكومته وقاده جيشه , أن المقاومة لديها الكثير من المفاجآت في ملف الأسرى كما أعلنت ذلك في أكثر من مناسبة , وليس أمام نتانياهو وحكومته إلا التفاوض عبر الوسطاء لإستعادة جنوده , عبر الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وتنفيذ كامل المطالب , وتجربة التفاوض الغير مباشر بين الإحتلال والمقاومة تفيد بأن المقاومة ليس في عجلة من أمرها مالم يتم تنفذ كافة مطالبها .

بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني