خلال الأيام الماضية ، تصريحات لافتة أطلقها رئيس السلطة السيد محمود عباس ، والدكتور صائب عريقات . واللافت فيها تزامنها مع دخول الانتفاضة الفلسطينية شهرها الثالث ، وتقاطعها عند ما انتهجته " إسرائيل " من سياسات في الاستيطان والتهويد والقتل والاعتقال والحصار في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وبالتالي أن الاحتكار الأمريكي لعملية " السلام " هو من شجع الكيان " الإسرائيلي " على هذه السياسات المتفلتة ، على حساب الحق الفلسطيني .
رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس ، وخلال إلقاه كلمة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد في رام الله قد قال " إن الهبة الجماهيرية سببها حالة اليأس التي وصل إليها الجيل الجديد ، لأنهم بدأوا يشعرون باليأس من حل الدولتين ، بسبب الحواجز والاستيطان ، والجدار ، إضافة للاعتداءات الاسرائيلية اليومية على المسجد الأقصى وهناك " استاتيسكو " متفق عليه منذ عام 1875 ومطبق . وعام 2000 اقتحم رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق ارئيل شارون الأقصى وفرضوا " استاتيسكو " جديد ، إلى جانب جرائم المستوطنين بحق أبناء شعبنا والتي بدأت بحرق وإعدام الطفل محمد أبو خضير ، وبعدها حرق وإعدام عائلة دوابشة ، إضافة للاعتداءات على المقدسات الاسلامية والمسيحية .
أما الدكتور صائب عريقات أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ، وخلال مؤتمر " ميد 2015 " حول المتوسط الذي عُقد في روما قد قال :- " مرَّ 23 عاماً وأنا أعد الفلسطينيين بالحرية والكرامة . ما الذي حققته لشعبي ؟ ، بدل 200 وحدة استيطانية يوجد الآن 600 ألف وحدة استيطانية . ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، يفاخر بتأكيده أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية في عهدي " .
هذه التصريحات المتزامنة واللافته ، لا يمكن قرأتها إلاّ في سياقين إثنين ، أولهما أن هذه التصريحات هي تحريك لمياه الإدارة الأمريكية الراكدة بخصوص المفاوضات . بمعنى أن الأوضاع وما آلت إليه سياسات حكومة نتنياهو من تدهور في العملية السياسية بين السلطة و" إسرائيل " ، أدت إلى نتائج كارثية على الفلسطينيين . ولكن الدكتور عريقات ذهب بعيداً عندما أقرّ أن الأعوام أل 23 من عمر اتفاقات " أوسلو " كانت وعود سراب نحو حرية وكرامة الفلسطينيين ، وهو أي الدكتور عريقات لا أعرف إن كان يدري أو لا يدري أنه في اللحظة التي تم التوقيع فيها على اتفاق " أوسلو " المشؤوم ، قد سلموا فيها حرية وكرامة الفلسطينيين ليتحكم فيها إرهاب الكيان الصهيوني ، الذي ارتفع منسوب عدوانه وجرائمه ومجازره واستيطانه وتهويده إلى حدود غير مسبوقة ، بحق البشر والشجر والحجر الفلسطيني . وهنا وإن كان الاحتلال ومن خلفه الإدارة الأمريكية هو المسؤول عما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة ، من قتل واعتقال وحصار ، ومصادرة الأراضي واستيطان وتهويد القدس واستباحة مقدساتنا والمسجد الأقصى في المقدمة منها ، فإن السلطة الفلسطينية بسياساتها ورهاناتها هي أيضاً تتحمل المسؤولية . فإذا كانت التصريحات تهدف إلى تحريك مياه المفاوضات الراكدة عبر الراعي الحصري لها الإدارة الأمريكية ، فلا أعتقد أن هذا الراعي على جهوزية لكي يقوم بدوره من موقع الراعي في إعطاء جرعة لدفع عجلة المفاوضات ، في ظل هذه الفوضى العارمة التي عمل عليها وحلفائه وأدواته الوظيفية في عموم المنطقة ، كرمى لمصالحه وربيبته " إسرائيل " . وهي أي الإدارة الأمريكية وبسبب هذا الإنشغال ، مضافاً إليه أنها على مسافة زمنية تُقربها من استحقاق رئاسة البيت الأبيض خلفاً للرئيس أوباما . لجأت هذه الإدارة إلى أن تعهد هذا الأمر إلى حليفتها فرنسا عبر مبادرتها المرفوضة في الشكل والمضمون .
وثانيهما ، أن هذه التصريحات وتزامنها مع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة التي دخلت شهرها الثالث ، وهي في اتساع وتطور من حيث أشكال وتنوع أعمال المقاومة ، أو في رقعة المشاركة . تأتي وكأنها رسالة باتجاهين ، الاتجاه الأول لنتنياهو ورعاته ، وعلى لسان رئيس السلطة ، أن هبة الجيل الجديد هي بسبب اليأس الذي أوصل شعبنا إلى أن يذهب نحو تفجيره لانتفاضته الثالثة ، التي بدت ارهاصاتها منذ أكثر من ثلاث سنوات ، وكانت في كل مرة يُعمل على كبتها وإنهائها منعاً لوصولها نحو اكتمالها واستيفاء تشكلها أن تكون انتفاضة . والتصريحات تُحّمل الإسرائيليين والأمريكيين وحتى المجتمع الدولي مسؤولية ما هي ذاهبة إليه الأوضاع المتفجرة في الأراضي المحتلة على وقع أعمال القتل والإعدامات اليومية التي تنفذها قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين في القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية وصولاّ حتى قطاع غزة ، الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون ، إلى تحميل ما يجري في فلسطين للاحتلال " الإسرائيلي " ، في قوله أنه أي الاحتلال " هو السبب في موجة الغضب الحالية في القدس " ، مضيفاً أن " الغضب الذي نراه اليوم هو نتيجة خمسة عقود من الاحتلال الإسرائيلي ونتيجة الخوف والذل والإحباط وعدم ثقة الشباب الفلسطيني في الوفاء بالوعود " . أما الاتجاه الثاني ، أراد أن يُفهم من كلامه ، أي كلام رئيس السلطة السيد محمود عباس ، الذي خرج عن صمته للحديث عن الجيل الجديد وما يعيشه ويعانيه من إحباط ويأس قد دفع هؤلاء الشباب النزول والخروج للشوارع بهدف مواجهة الاحتلال . على أنه قد أعطى هذه الهبة أو الانتفاضة - لن نختلف – الضوء الأخضر من أجل اتساع مساحة عملها واستمرار تفاعلها وتصاعدها . وهذا من خلفية أن هؤلاء الشباب في حراكهم الانتفاضي قد فرضوا أنفسهم على جدول أعمل قياداتهم ، فأدرك رئيس السلطة أن ليس في مقدور أحد من القيادات الفلسطينية أن تقف على الحياد بشكل أو بأخر ، بعد أن تجاوز عدد الشهداء أل 125 شهيداً ، وآلاف الجرحى والمعتقلين . حيث أن الملاحظ وعلى غير عادة رئيس السلطة الذي حافظ على نمطية إدانته للعمليات قبل الانتفاضة ، فهو إلى الآن لم يدلي بتصريح واحد يدين فيه أية عملية طعن أو دهس ، وهذا يعتبر تحول إيجابي في هذا السياق .
وإذا ما ذهبنا إلى اعتماد السياق الثاني لهذه التصريحات ، وخصوصاً تصريحات رئيس السلطة حول هبة الشباب الفلسطيني ، وتأييده الضمني لها ، ولما أقدمت عليه في مواجهة الاحتلال ، فإن هذه التصريحات وحتى لا تبقى قفزة في الهواء ، أو رسائل لمجرد الرسائل ، المطلوب السير بإجراءات عملية تهدف إلى تعميق وتجذير الانتفاضة ، وبالتالي حمايتها ورعايتها ، وحماية تضحياتها من الشهداء والجرحى والأسرى ، مضافاً لذلك عائلاتهم وأسرهم ، وبناء ما هدّمه الاحتلال من منازل منفذي عمليات الطعن والدهس وغيرها .
ومن خارج السياق الثاني ، سأجد نفسي أختم بسؤال السيدة ربى مسروجي " المدير التنفيذي للشركة المتحدة للأوراق المالية " ، الذي وجهته لرئيس السلطة ، وهو " عند اشارتكم الى أن كافة الاتفاقيات التي أبرمت مع الاحتلال قد تم نقضها ، أود التساؤل ماذا بعد ؟ و هل يكفي صبرنا و صمودنا ، لتحمل الكم الهائل من الظلم الذي نتعرض له ؟ " . وأضيف " وظلم ذوي القربى أشد مضاضة " .
بقلم/ رامز مصطفى